1

من أخطر الظواهر المنتشرة لدى نفر من أبناء الجاليات العراقية في أوربا هي ازدواجية مواقفهم تجاه الدول الاوربية، فعندما يتحدثون فيما بينهم ينهالون باللعنة على اوربا، وأنين الغربة، وضياع العمر، وخيبة الأمل، وعندما يتحدثون مع الأقرباء والاصدقاء والمعارف القدامى في العراق- وخصوصا عبر السوشيال ميديا- فهم يغرقون في مدح وربما تقديس تلك الدول عبر إظهار جمال طبيعتها، وروعة نظامها ورفاهيتها، ولطف وإنسانية سكانها.
وربما أحد أهم أسباب هذه الظاهرة المزدوجة هي فشل تجارب هؤلاء في العراق سابقا وكذلك الدول الاوربية حاليا،  فيحاولون بهذه الصورة المزدوجة الظهور امام العراقيين في  الداخل، بمظهر السعداء ، والناجحين المتحضرين، والمندمجين بالمجتمعات الاوربية،  وأن العراق قد خسرهم لعدم احتضان مواهبهم الخارقة بمنحهم الفرصة والدعم الذي يستحقونه.
ان أخطر آثار هذه الظاهرة هي تزييف الواقع عن اوربا امام الشباب العراقيين الذين يحلمون بجنة أوربا في مخيلتهم الفيسبوكية ،  ووقوع مئات وربما الاف الشباب العراقيين طعما سهلا لشبكات التهريب، وخسارتهم أموال طائلة بعد بيع كل ما يملكونه في العراق،  ومن ثم الصدمة الكارثية بواقع الحال في أوربا وعسر وربما استحالة قبول لجوئهم،  مما يضطرهم إلى العودة الى العراق خائبين وبخسائر مادية ونفسية هائلة  وربما تفرق عوائلهم وتدمير مستقبلهم.

2
الانفتاح التركي على مصر، وترميم العلاقات السعودية  مع قطر، والمفاوضات السعودية الإيرانية،  واعادة سوريا إلى المشهد، يمكن القول أن منطقة  الشرق الأوسط تشهد تناميا ملحوظا للمسار الدبلوماسي وتهافت اصوات الحرب بعد أن كانت تعتبر المنطقة الاقل تفاعلا دبلوماسيا في العالم، فالسياسة هي فن الممكن، لكن القليل فقط من يعرف أين يكمن الممكن.
ويمكن القول بلا مغالاة ان العراق له نصيب محترم في  تطوير هذا المسار عبر احياء الدبلوماسية، والانتقال من بلد  تعقد حوله المؤتمرات الإقليمية والدولية لمعالجة ازماته إلى بلد يستضيف مؤتمرات ويبدي مبادرات لحلحلة ازمات المنطقة.
فقد أسهمت قمة بغداد بازاحة الجليد المتراكم للخيار العسكري واعادت الامل بان الدبلوماسية يمكن أن تحل محل البنادق في احلك مناطق العالم صراعا.
واليوم شكلت الانفراجة السورية الإماراتية برهانا على صدقية وصحة النهج العراقي الذي سار عكس التيار كما أشيع في حينها.
  فقد دعا العراق للحل السياسي في سوريا منذ بدء الأزمة،  وتنبأ بأن  العنف لا طائل منه في الوقت الذي كانت تشكل الجيوش والجماعات لتنخرط  في صراع اغرق المنطقة بالدم وهز الواقع الجيوبولوتيكي للعالم. 
على العراق اليوم ان يجني مكاسب توجهاته لتعويض فواتيره الباهضة التي دفعها ثمنا لموقفه إزاء الأزمة السورية.
وارى ان الخطوة الأولى لجني المكاسب هي زيارة الاسد للعراق لاسداء الجميل والايذان بان بغداد هي منصته الشرعية للانطلاق نحو الدول العربية والاقليمية، واعادة ترسيم علاقته بالعراق استعدادا للمرحلة المقبلة لدول ما بعد الإرهاب والقطيعة، لتكون بغداد قلب التيار بدلا من  أطرافه.

 

عرض مقالات: