جاءت الديمقراطية الى العراق كبديل للحكم الدكتاتوري البغيض، ولكنها اتت تمشي بلا اقدام. قصيرة الرؤية ثكلى ببناتها  المغيبات، كالعدالة الاجتماعية  والمواطنة وسيادة القانون. ونظام حكم الاغلبية الفائزة بالانتخابات على وفق المادة 76 من الدستور.. حصل ذلك بحكم هجينية نظام توافق " المحاصصة "  التي فرضها المتسابقون المتدافعون بالمناكب اذا لم يكن بخمص البنادق. حول كراسي الحكم القائم على تقاسم المال العام والنفوذ السلطوي،  وصاروا واضعين لنظامهم هذا اسماً، واخذوا يتداولونه تحت مسمى " العملية السياسية " الخالية من المحتوى الديمقراطي ما عدا بند الانتخابات، لعله يشكل لهم غطاءً يستر فضاعة فرهودهم لاموال الدولة كغنيمة.

وبعد صراع بيني مرير، وتزيف لكل القيّم والقواعد الديمقراطية واستباحة الاعراف والقوانين، ألقيت بمخلفات همجية الحكم على الناس. متجلية بافقارهم وخراب البلد. مما شكل صدمة انتجت وعياً هاتفاً بـ " نريد وطن " سمع دويه في انتخابات 10 تشرين الحالي الاخيرة.           وبهذه الدراما الانتخابية، تلمسنا ما صنعته قوى حراك التغيير المتظاهرة المقاطعة، التي قلبت الطاولة على مزوري إجراء الانتخابات، حيث تم تجريدهم عن وسائلهم المخادعة، واوقفت ممارستهم للتزوي الفاضح، الذي اسقط عنهم حتى براقعهم التي غالباً ما اخفوا اخطاءهم وخطاياهم تحت ظلها.. وكانوا مستغلين طيبة وشهامة ووطنية العراقيين المطلقة..

وفي مرحلة من مسيرة المتنفذين بالحكم، توهموا بأنهم يمثلون الاغلبية. فراحوا يدعون الى" حكم الاغلبية السياسية " وحقيقته دعوة طائفية. غير ان انتخابات تشرين الاخيرة، وبعزم قوى الحراك والمقاطعين، تعرّوا تماماً ، مما دفعهم الى البحث عن ملاذ يستر عورتهم. غدوا ينادون بـ " بنظام التوافق " الذي لا يعني سوى المحاصصة التي دمرت البلاد والعباد، عكس ما كانوا ينادون به " حكم الاغلبية " الذي فلت عن قبضتهم، وبقي على طبعه، بمعنى لن يتحقق الا باردة الجماهير الوطنية الواسعة، الامر الذي امسى راسياً في الصوب الاخر،  صوب التغيير الذي يصعب عبورهم نحو ضفافه بذات الزوارق البالية الآيلة للغرق.

ولم يكتف اصحاب " التوافق والمحاصصة " بهذه الاستدارة المحفوفة بالانقلاب الكلي الخطير. انما مارسوا التظاهر وحرق الاطارات عكس ما كانوا يعارضون هذا الاسلوب. بل دأبوا على اتهام متظاهري حراك التغيير بـ {الجوكرية وأولاد السفارات }.. علماً لا وجهة للمقارنة بين نمط تظاهر الحراك التشريني الذي يطالب بالحقوق لكافة العراقيين الذين اصيبوا بالفقر والحرمان، وبين تظاهرات المتنفذين التي تقتصر على مطالب حزبية ضيقة جداً، والمتمثلة برفع عدد مقاعدهم في البرلمان، تلك التي انتزعتها الجماهير منهم بعد ان كشفت حقيقة فشلهم في بناء دولة وجلب التنمية للبلد والسعادة لعموم الناس.

غدا نظام التوافق المحاصصاتي ورقة مهترئة وصار في حال لن يشفع له   " التظاهر النفعي الفئوي " المحدود، ارتباطاً  بما حل بمنظومة الفساد والفشل.. من جراء تظاهر الحراك الديمقراطي في سبل الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية لكل الناس .. وقد اعطى قراءة منطقية مستحدثة لنهوض الشعبي السياسي العراقي، الذي لا يليق به غير النظام الديمقراطي المدني المختار من { الاغلبية الوطنية الحقيقية } التي تعبر عن ارادة الجماهير الواسعة ووحدة المصالح الوطنية الديمقراطية للعراقيين. والتي تفضح التفرقة الكامنة في" نظام التوافق " الذي يحبس الانفاس حيث ينطوي على عوامل انفرط عقده في اية ساعة يختلف فيها اطرافه حول الحصص ..

عرض مقالات: