تتجه ميول الرأي العام في السويد تدريجيا، ودون توقف نحو اليمين. ولا يحول دون تمكن الأحزاب اليمينية من تولي الحكم في البلاد سوى خلاف حول الموقف من حزب ذي جذور عنصرية، هو ((حزب ديمقراطيي السويد))، المعروف بتوجهاته المعادية للأغراب، وقد تطور هذا الموقف من الرفض التام لأشراك ذلك الحزب في رسم التوجهات السياسية للبلاد، الى قبول ثلاثة أطراف من أحزاب كتلة يمين الوسط الأربع بالتفاوض معه حول تلك التوجهات. ولم يعد يتمسك بعزل ((ديمقراطيي السويد)) سوى حزب واحد هو(( حزب الوسط)) برئاسة أنيا لوف الذي يمتلك 31 مقعدا من مقاعد البرلمان الـ 349. والذي بفضل أصواته تمكن إئتلاف الحمر والخضر المكون من حزبي ((الديمقراطي الاجتماعي)) و ((البيئة)) من مواصلة الحكم خلال السنوات السبع الماضية، وقد شاركه هذا الموقف الحزب الليبرالي، الذي تخلى مؤخرا عن دعم الحكومة التي يرأسها رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي ستيفان لوفين.

دعم الوسط والليبرالي لأئتلاف الحمر والخضر لم يكن مجانيا بالطبع، فهو مقابل تبني حكومة الإئتلاف سياسات تقترب من سياسات اليمين، وتعزل ((حزب اليسار)) وريث الحزب الشيوعي، والداعم التقليدي للإئتلاف. وقد ارتضى اليسار حالة العزل على مضض، لفترة طويلة حتى فاض به الكيل عند تبني الحكومة قانونا يطلق أيادي شركات العقارات السكنية في تحديد أسعار إيجارات المساكن. فأعلن قبل شهرين أنه لن يرتضي دور ممسحة الباب، وصوت الى جانب أحزاب اليمين في سحب الثقة من حكومة الأئتلاف، مما تسبب بأزمة وزارية أنتهت بتجميد القانون الذي أعترض عليه، وكذلك بتخلي الحزب الليبرالي عن دعم حكومة لوفين التي تمكنت من العودة للحكم بفارق صوت واحد لنائبة مستقلة من أصول كردية.

لوفين أنهك على مدار السنوات السبع الماضية في محاولات أمتصاص الضغوظ التي يتعرض لها من داعمي حكومته من جهتي اليمين واليسار، وأعلن قبل أيام أنه سيستقيل من رئاسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وبالنتيجة من رئاسة الحكومة في مؤتمر حزبه المقبل في تشرين الثاني ـ نوفمبر، ليتيح للحزب أختيار رئيس جديد يقوده في المعركة الأنتخابية المقبلة في أيلول ـ سبتمبر 2022.

خليفة لوفين سيتعين عليه الحصول على تجديد للثقة بحكومته، ولن يتمتع بأية حرية في رسم سياسات البلاد في ظل ذات الأستقطابات البرلمانية الصعبة. وريما ستكون مهمته الأساسية تحسين وزن حزبه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وإرساء تحالفات تضمن له أغلبية مريحة. غير أن هذه مهمة بالغة الصعوبة، مع التزايد المستمر في كتلة ناخبي حزب ((ديمقراطيي السويد)) التي يتوقع أن تزيد عن العشرين بالمئة من مجموع الناخبين، منافسا بذلك أكبر أحزاب يمين الوسط حزب تجمع المعتدلين. ومع ما تظهره استبيانات معاهد سبر الرأي العام، من أن التغيرات التي تجري على تلك الميول لا تشمل تغيرات كثيرة في الأنتقال من وإلى الكتلتين الكبيرتين، وأنما تنحصر في أطار الكتلة الواحدة. أي أن ناخبي حزب ما، عند استيائهم من سياساته، لا ينتقلون الى تأييد حزب من أحزاب الكتلة المنافسة، بل الى تأيييد حزب من أحزاب الكتلة التي ينتمي إليها الحزب الذي كان مفضلا لديهم. ولهذا فأن زيادة ناخبي حزب اليسار مثلا، تتم على حساب الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ولا تغير شيئا في وضع عموم كتلة اليسار، ولا تزيد من حظوظها. وفي المقابل فأن المستائين من سياسات حزب تجمع المعتدلين، يمنحون أصواتهم الى حزب ((ديمقراطيي السويد)) القريب من كتلة اليمين.

وفي حال تواصل ميل الناخبين السويديين الى اليمين، وارتباطا بذلك تواصل ميل أحزاب يمين الوسط ألى أنهاء عزل حزب ((ديمقراطيي السويد)) واستيعابه في تفاهمات معينة، وتراجع حزب الوسط عن موقفه الحازم من الحزب ذو الجذور العنصرية فسيتمكن تحالف اليمين أو ما كان يسمى بـ ((التحالف البرجوازي)) المخلخل حاليا، سيتمكن من تشكيل الحكومة التي تلي الانتخابات المقبلة بأغلبية برلمانية مريحة.