أردنا أن نشير هنا إلى مقاربة بين هذا العنوان وبين الدعوة التي يطلقها البعض إلى الذين قاطعوا الانتخابات بالعودة عن مواقفهم. مع عدم المساس بالأسباب التي دعت للمقاطعة. والتي مازالت قائمة.. وما زالوا هم ايضاً متعكزين على ذكر بديهية لا ينكرها أحد، المتمثلة في أن تغيير خراب العراق يمر عبر بوابة الانتخابات، ولكن يتناسون في ذات الوقت شرط نزاهتها وتوفر شروطها القانونية. الامر الذي يكشف عن مغالطة وقحة، عندما يتهمون المقاطعين بفحوى دعوتهم هذه وكأنهم لا يؤمنون بالانتخابات المصانة كطريق للتغيير. أو أنهم يتبنون وسائل أخرى لمعالجة الأزمة التي حلت بالبلاد.

مما يفسر أن الغاية من حملة {عشاق الديمقراطية المختصرة بالانتخابات} هي إطلاق اتهامات مبطنة للمقاطعين، بأنهم ضد الديمقراطية، ومن جانب آخر يقومون بدعاية انتخابية لهم. الأمر الذي لم ينطل على فاهم.

إن العملية الانتخابية مفردة من منظومة الديمقراطية. وهي حق من حقوق الانسان، كما انها بالذات لها قواعدها وسياقاتها الخاصة. فلا يجوز أن يسلخ عنها درعاها الحامي " قوانينها الاجرائية العادلة ". حيث انها قد تعرضت للانتهاك كلما تم اجراؤها. ومن الجلي تماماً قد ازدهرت عمليات التزوير التي لم تطرق انماطها ومستوياتها في مختلف البلدان التي تتبنى الديمقراطية.

فاذا ما كان المطالبون بعودة المقاطعين يدفعهم الحرص على ضرورة مشاركة الجميع بالانتخابات، اذن حريّ بهم ان يستجيبوا للمطالبة بتحقيق الأجواء الآمنة والاجراءات العادلة وتطبيق ارادة قوى الانتفاضة باقامة انتخابات مبكرة، لا تشوبها ارادات المتنفذين. وان تكون بوابة حقيقية للتغيير. تحت خيمة المواطنة والقانون العادلة. وليست مبرقعة بعباءة المكونات الممزقة لوحدة شعبنا المتماسك اجتماعياً عبر التاريخ، بصرف النظر عن نزعات الحكام المتسلطين.  

اما ما يتعلق بالإلحاح على إجرائها في العاشر من اكتوبر القادم. هنالك حيثيات ودوافع اخرى. وبخاصة لدى الكتل المتنفذة التي تتبع سياسة { التقية } فهي تظهر متحمسة لاجراء الانتخابات بدعوى انقاذ الوضع المداعي من الانهيار. ولكنها تتجاهل  وترفض مطالب انتفاضة تشرين وقواها المدنية الديمقراطية، التي قدمت قوافل الشهداء من شاباتها وشبابها ومئات الاف الجرحى في سبيل ازالة النهج السياسي القائم، الذي مازالت ذات الاوساط متمسكة به.

بيد أن هنالك امراً يُعتمل دون الافصاح عنه ويراد به التخلص من شخص الكاظمي تحديداً، الذي كما يبدو لا يتلاءم وجوده مع المخططات الجارية والمستقبلية التي ترمي اليها الطغمة الحاكمة. رغم مهادنة السيد الكاظمي معها وتعثره بخطاه الوجلة. مع ذلك يراد أخذ رئاسة الوزراء منه. لكي لا يبان ذلك الفرز بين الدولة وقوى اللادولة في اقل تقدير. الذي تجلى في اكثر من حادث وموقف.

ومن هذا المستقرأ في اللوحة السياسية العراقية، ونحن في عشية الانتخابات نعلم أن القوى المستنفرة " الكتل المتنفذة  " والتي تزيد من الحاحها على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، قد وجدت الفرصة الذهبية باخلاء الميدان أمامها من خلال الانسحابات، مما يجعل الطريق سالكة للوصول إلى رئاسة الوزراء دون منازع. كما تصل بين الفينة والأخرى إلى مسامع المتابعين، بانه قد رُشحت حتى شخصيات بعينها للرئاسة الثلاث. وبالخصوص من سيكون رئيساً لمجلس الوزراء بعد الانتخابات. ولهذا تتصاعد دعواتهم إلى المقاطعين لخوض الانتخابات على علتها حفاظاً على شرعيتها.. وليشبع المعترضون من وليمتها دون ان يثلمون رغيفها، كما يقول المثل الشعبي العراقي، حيث تم عجن وخبز هذا الرغيف المر في افرانهم التي يلتهم سعيرها الاخضر واليابس بلا واعز من ضمير ولا رادع من قانون.

عرض مقالات: