مرت حركة التحرر الوطني العربية بتبدلات في مضامينها – السياسية - الفكرية متجاوبة والتغيرات الدولية، وبهذا المسار نرى ان حركة التحرر العربية تتطلب برنامجا وطنيا ملموساً قادرا ًعلى تفسير أسئلة كثيرة منها – ماهي القوى والطبقات الاجتماعية الفاعلة في حركة التحرر العربية الراهنة؟ ما هي الأساليب الكفاحية المناهضة للتبعية والتهميش؟ وماهي برامج القوى السياسية القادرة على تلبية المصالح الطبقية للقوى الطبقية المنتجة؟

 أسئلة كثيرة ورؤى فكرية متعددة يفرضها الطور الجديد من التوسع الرأسمالي من جانبي أتوقف عند التبدلات الدولية الجديدة متتبعاً مراحل حركة التحرر العربية التاريخية وتلمس سماتها الجديدة في المرحلة الراهنة من العولمة الرأسمالية.

أولا - حركة التحرر العربية وبناء السيادة الوطنية.

مرت حركة التحرر العربية بمراحل تاريخية معتمدة على قوى طبقية وأحزاب سياسية، معززة مكانتها التاريخية بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى حيث تضافرت الجهود السياسية بين القوى الوطنية المناهضة للسيطرة الكولونيالية بهدف بناء دول وطنية مستقلة تشكل رافعة سياسية بيد قوى الشعب الوطنية للتخلص من الهيمنة الاستعمارية وحماية مصالح البلاد الوطنية.

- طبقاً لذلك تواصلت حركة التضامن العالمية بين الدولة الاشتراكية وحركة التحرر الوطني العربية حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية حيث كرست نتائجها انتصاراً لروسيا السوفيتية والدول الديمقراطية المتحالفة على الجحافل النازية الغازية وروحها التخريبية، وبهذا الانتصار انتقلت حركة التحرر الوطني العربية الى طورها الثاني متمثلاً بتحرر دول عربية من الهيمنة الاستعمارية ونيل سيادتها الوطنية بعد ان شكلت دولاً وطنية عبر انقلابات عسكرية او تسويات سياسية مع الدول الكولونيالية.

ثانياً – الدولة الوطنية والمؤسسة العسكرية

بسبب ضعف البنية الطبقية للتشكيلات الاجتماعية العربية وسيادة الفئات الفرعية في الحياة السياسية – الشرائح الكمبورادورية - ملاك الاراضي - الفئات المالية - أدت المؤسسة العسكرية دور القابلة الوطنية للتحولات السياسية عبر قيامها بانقلابات عسكرية وما أنجزته من إجراءات سياسية – اقتصادية تجاوبت وصيانة مصالح البلاد الوطنية.

- تزامنت الإجراءات الاجتماعية الوطنية ونهوج ديكتاتورية تماشيا والبنية التراتبية للمؤسسة العسكرية مانعة بذلك الأحزاب الوطنية من العمل الديمقراطي الحاضن للتغيرات الوطنية.   

- بدلاً من النظم السياسية الديمقراطية اقامت المؤسسة العسكرية نظما استبدادية فردية شكلت ملامح الحقبة الثانية من تاريخ حركة التحرر الوطني العربية.  

- وبهذا السياق شهدت المرحلة الثانية من تطور حركة التحرر الوطني العربية ترابطات اقتصادية – سياسية متعددة بين المعسكر الاشتراكي وبين النظم السياسية الديكتاتورية العربية بهدف التصدي للهيمنة الرأسمالية الا ان العلاقات الاقتصادية – السياسية المشار اليها اعاقة تطور الدول الوطنية واستقرار تشكيلتها الاجتماعية وقدرة قواها السياسية على مواجهة التغيرات الدولية الجديدة.

ثالثاً- انهيار المعسكر الاشتراكي وتبعثر حركة التحرر العالمية

أحدث انهيار منظومة الدول الاشتراكية تغيرات كبيرة في العلاقات الدولية تمثلت بسيادة وحدانية التطور الرأسمالي وساهمت في –

1 --- سيادة اليمين القومي المناهض لليسار الاشتراكي والساعي الى الهيمنة الدولية فضلا عن سيادة قوى اليمين العربي متمثلاً بقوى الطائفية السياسية وما حملته من أفكار سلفية في معالجة المشاكل الوطنية.

2-- تفكك فصائل حركة التحرر الوطني العربية وتنامي قوى الإسلام السياسي.  

3 - تبدل برامج الاحزاب الاشتراكية وتعدد اساليبها الكفاحية.  

إزاء هذا اللوحة السياسية تنتصب أسئلة كبرى أهمها- ما هي مضامين حركة التحرر الوطني العربية في الطور الجديد من التوسع الرأسمالي؟ ماهي الطبقات الاجتماعية القادرة على مواجهة التخريب الرأسمالي؟ ما هي الأساليب الكفاحية القادرة على التصدي لقوانين التبعية والتهميش؟ هل تفضي تحالفات الطبقات الفرعية مع الرأسمال الدولي الى تفكك الدول الوطنية؟

- تستمد الأسئلة المثارة شرعيتها من وحدانية التطور الرأسمالي وسيادته في العلاقات الدولية الامر الذي يتطلب من الباحثين والكتاب تحديد خطوط فكرية عامة لطبيعة الصراعات الدولية – الوطنية من جانبي اسعى الى تأشير مهمتين أساسيتين أولاهما بناء سيادة وطنية ترتكز على نظام سياسي ديمقراطي، وثانيتهما التصدي لسياسة الطبقات الفرعية الحاملة لنهوج التبعية والالحاق.  

ان المهام التاريخية الماثلة امام قوى اليسار الاشتراكي تشترطها المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي والذي تتصارع فيها ثلاث تيارات سياسية - فكرية تتمثل ب-

1- الفكر السياسي المعولم العابر للمصالح القومية والوطنية والهادف الى الحاق الدول الوطنية بالاحتكارات الدولية.

2- فكر الوطنية الديمقراطية السياسي الذي ترعاه دول اشتراكية سابقة ودول وطنية أخرى والهادف الى بناء دول وطنية ترعى مصالح طبقاتها الاجتماعية المنتجة.  

3-- الفكر القومي اليميني للدول الرأسمالية المتطورة الداعي الى الانعزال ومناهضة التفاعلات الوطنية- الدولية في العلاقات الدولية.

ان التيارات السياسية المشار اليها تشترط على التيار الاشتراكي - الديمقراطي بناء عدته الفكرية القادرة على حماية الدولة الوطنية من التبعية والتهميش والحافظة لتوازنات مصالح الطبقات الاجتماعية المنتجة.

رابعاً -اليسار الاشتراكي ومهامه الكفاحية

-- الرؤية الفكرية السالفة تشترط بناء عدة فكرية - سياسية جديدة لليسار الاشتراكي تسعى الى تشكيل اصطفافات وطنية - ديمقراطية قادرة على مناهضة نهوج التبعية والتهميش الملازمة لتطور المراكز الرأسمالية الكبرى.

ان العدة الفكرية – السياسية التي يشترطها الطور الرأسمالي المعولم والهادفة الى تشكيل تحالفات وطنية - ديمقراطية تتجلى كما اراها بالموضوعات التالية-

أولا-- بناء تحالف وطني – ديمقراطي يضم القوى السياسية المعبرة عن مصالح الطبقات الاجتماعية المنتجة بهدف التصدي لنهوج التوسع الرأسمالي المتسمة بالتبعية والتهميش.

ثانياً- قيادة اليسار الاشتراكي للتحالفات الوطنية – الديمقراطية على أساس برنامج وطني - ديمقراطي تتشكل مفرداته من المهام التالية –

 أ – صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش.

ب – بناء سلطة وطنية ديمقراطية عبر الشرعية الانتخابية.

ج – بناء اقتصاد وطني يعتمد تعدد الملكية لوسائل الإنتاج.

د-- تطوير القطاع الوطني الخاص والحفاظ على السوق الوطنية من المنافسة الدولية.

ثالثاً – بناء علاقات وطنية – دولية على قاعدة المساواة واحترام المصالح الوطنية.

رابعاً– مناهضة التدخلات الدولية العسكرية الرامية الى انتهاك سيادة البلاد الوطنية وتعزيز سلطة الطبقات الفرعية.

ان المهام السياسية – الاقتصادية الواردة أعلاه يمكن تنفيذها عبر قيادة اليسار الاشتراكي لتحالفات  طبقية - وطنية مناهضة لنهوج التوسع الرأسمالي المتسمة بالتبعية والتخريب.

عرض مقالات: