في الذكرى الغراء لثورة الشعب الأبي على العهد الاستعماري المستبد في الرابع عشر من تموز المجيد لعام ١٩٥٨. قامت ثورة الحق على الباطل، ثورة القوى الوطنية على الاستعمار الاجنبي، ثورة المواطنين الأصلاء على الرجعيين المتآمرين. واعلان الجمهورية العراقية الخالدة بقيادة ابن الشعب ونصيرهم الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم وإخوانه البواسل. مبارك لكل العراقيين هذا العرس الوطني الكبير.

  لقد أثير في الآونة الاخيرة لغط كثير حول ما حدث يوم ١٤ تموز ١٩٥٨، هل هو ثورة ام انقلاب؟  بعضه نابع من عدم الفهم الصحيح لأسس الثورة ومنجزاتها، والبعض الآخر محاولة مقصودة للنيل من الثورة ورمزها الشهيد عبد الكريم قاسم.  من المفيد التمعن في بعض القضايا التي يتمحور حولها هذا النقاش حتى نخرج من دائرة الاٍرهاب الفكري ونمحص في الحقائق.

 هناك ثلاث فرق تحاول الطعن بثورة 14 تموز 1958،

 الفريق الأول، ويضم أنصار الملكية من الذين استفادوا من ذلك العهد الملكي، وتضرروا من قيام الثورة، وهم من الاقطاعيين وملاك العقارات، وذوي المناصب والطبقة الحاكمة. وحجة هؤلاء أن النظام الملكي كان ديمقراطياً، فقام العسكر بالإطاحة به وجلبوا علينا الكوارث وفتحوا باب الانقلابات وحكم العسكر، وكأن العراق لم يعرف الانقلابات العسكرية قبل هذا الحدث.

أما الفريق الثاني، فهم أنصار الثورة من الذين رحبوا بالثورة وصفقوا وطبلوا لها في البداية، ولكن بعد أن تم إجهاض الثورة يوم 8 شباط 1963، وإدخال البلاد في نفق مظلم من الكوارث، تنكروا لها، وراحوا يلقون اللوم عليها في كل ما أصاب العراق بعد ذلك اليوم الشباطي الأسود. وهذا الفريق هم الأخطر، إذ هم يبحثون عن مصالحهم ويحاولون الظهور بمظهر الموضوعية والعلمية والحيادية،

أما الفريق الثالث، فهم الذين لا يعرفون عن النظام الملكي ومساوئه وعن الثورة وانجازاتها شيئاً فينجرفون مع التيار ويرددون ما يسمعون بعيداً كل البعد عن الموضوعية والواقع.

لقد أسيء استخدام هذين المصطلحين (الثورة والانقلاب) أيما إساءة وذلك بناءً على الموقف العاطفي لا الموضوعي، الذي يتخذه الشخص مما حدث في ذلك اليوم، فإن كان مؤيداً له استخدم كلمة ثورة، وإن كان معارضاً، قال إنه مجرد انقلاب عسكري جلب علينا الكوارث! إن هذين المصطلحين، الانقلاب والثورة، لهما مفاهيمهما العلمية والتاريخية يجب عدم ترك استخداماتهما للعواطف التي هي عادةً نتيجة خيبة أمل.

الانقلاب يعني تبديل رجال الحكم فقط، إما بالعنف المسلح، أو بعملية عسكرية، مثل الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي عام 1936 في عهد الملك غازي. أو ما يسمى بانقلاب القصر، يقوم رجال من نفس الطبقة الحاكمة بعملية تغيير الحكام نتيجة للصراعات فيما بينهم على السلطة، مثل ما قام به نوري السعيد على رئيس الوزراء أرشد العمري بعد انتخابات 1954 حيث فاز 11 نائباً من المعارضة من مجموع 131 نائباً، فلم يتحمل نوري السعيد هذا العدد القليل من المعارضين في البرلمان، فقام بانقلاب القصر بعد 24 ساعة من خطاب العرش. المهم أن في كلتا الحالتين، انقلاب القصر أو الانقلاب العسكري، تكون العملية غير مصحوبة بأي تغيير للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

أما الثورة، فهي عملية تبديل الحكام وقد يتم بالعنف المسلح أو بدونه، ولكن بالضرورة تكون مصحوبة بتغيير النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي. فالمهم هنا تغيير القاعدة الاقتصادية والاجتماعية وتطورها من مجتمع قبلي متشظ، إلى مجتمع قائم على تعددية الأنماط الاقتصادية نحو العصرنة والتحديث وبالتالي تغيير الفئات الحاكمة من حيث جذر الانتماء الطبقي.

ويمكن القول وبعلمية سديدة ان ما حدث يوم ١٤ تموز هي ثورة مجيدة نعتمد بذلك على أساسين. الأول موقف الجماهير الشعبية منها هل كانت الجماهير ضد الحدث أو معه، متفرجة أو مؤيدة لها، فقد كان موقف الجماهير موقفاً مشرفاً ما أن سمعوا من على الراديو البيان الأول "للثورة" حتى ونزلت الجماهير من أقصى العراق إلى أقصاه في الشوارع والساحات، مؤيدة بحماس منقطع النظير لما جاء في البيان وقد تنبأ بالثورة وحرض لها كثير من المثقفين من مختلف الاتجاهات، وعلى رأسهم شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، والشاعر معروف الرصافي وغيرهما.. أما الثاني يكمن في منجزات الثورة والتغيير الذي حصل على يدها  من اسقاط النظام الملكي وإقامة النظام الجمهوري، وتبنى سياسة عدم الانحياز، وإلغاء جميع المعاهدات الاستعمارية الجائرة المخلة بالاستقلال الوطني، والخروج من الأحلاف العسكرية (حلف بغداد)، وتحقيق الاستقلال السياسي التام، والسيادة الوطنية الكاملة، وتحرير الاقتصاد والعملة العراقية من الكتلة الإسترلينية، وإلغاء حكم العشائر، والنظام الاقطاعي، وتحرير الملايين من الفلاحين الفقراء من سيطرة الإقطاعيين بإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتحرير 99.5% من الأراضي العراقية من سيطرة الشركات النفطية الاحتكارية بإصدار قانون رقم 80، وضمان حقوق  المرأة بإصدار قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وازدهار الصناعة، وبناء عشرات الأحياء السكنية للفقراء.

يخطأ من يعتقد أن ما حدث يوم 14 تموز كان نتاج مؤامرة قام بها نفر من الضباط العسكريين الطامعين بالسلطة، بل كانت ثورة حتمية بسبب الأوضاع الشاذة في العهد الملكي، وهنا يمكن ان نستشهد بآراء المختصين بالشأن السياسي يقول الباحث البروفيسور في العلوم السياسية حنا بطاطو: كانت العملية انقلاباً عسكرياً في لحظة وقوعها، ولكن حولتها الجماهير في لحظات إلى ثورة جماهيرية التحمت فيها الجماهير بالقوات العسكرية المسلحة، الأداة المنفذة للعملية. ويقول ايضاً عندما سأل: “هل ترقى أحداث 14 تموز (يوليو) إلى مستوى الثورة أم أنها مجرد انقلاب؟ ويجيب قائلاَ: "والواقع أن إلقاء نظرة سريعة على الآثار اللاحقة، يكفي لجعلنا نعرف أننا أمام ثورة أصيلة. ولعل أدق شهادة بهذا الخصوص جاءت من المستشرق الفرنسي المعاصر البروفيسور مكسيم رودنسون الذي قال: بأن “ثورة 14 تموز العراقية هي الثورة الوحيدة في العالم العربي”. وبعد الثورة وكل الانجازات التي قدمتها وقدمها رجلها الاول الزعيم عبد الكريم قاسم لابد ان نذكر موقفا يحسب له في يوم انقلاب ٨ شباط الدموي حيث رفض عبد الكريم قاسم تسليح افراد الشعب الذين تجمهروا امام وزارة الدفاع في باب المعظم مطالبين الزعيم بإعطائهم السلاح ومقاومة الانقلابيين لكنه رفض وأصر على احتقان الدم العراقي وسلم نفسه إلى الانقلابيين احتقاناً للدم العراقي. سنبقى نستذكرك ايها الزعيم جيلاً بعد جيل رمزاً وطنياً عراقياً خالداً وسنبقى لنهج ثورة ١٤ تموز اوفياء مخلصين.

 *الرحمة والسلام والطمأنينة الأبدية والمجد والخلود لزعيمنا الراحل عبد الكريم قاسم ، والخزي والعار والشنار لكل الخونة وأعداء العراق من الرجعيين والمتآمرين

عرض مقالات: