تستعد بلادنا لدورة انتخابات تشريعية جديدة ورغم حداثة الشرعية الانتخابية لبناء الدولة العراقية بسبب هيمنة النظم الاستبدادية في قيادتها الا ان هذه الانتخابات تتمتع بأهمية كبيرة استناداً الى ما تعانيه الدولة العراقية من نهوج طائفية وإشكالات قومية وما أنتجه ذلك من ضياع الامن السياسي والاجتماعي في تشكيلة العراق الاجتماعية.

انطلاقاً من تلك الاشكالات يتعين على الباحثين والسياسيين الوقوف عندها ودراسة تأثيراتها على مستقبل بناء الدولة الوطنية ودورها في تشكيلة البلاد السياسية.

اعتماداً على تلك الإشكالات اسعى الى تناولها من زوايا متعددة أهمها -

أولا - سمات الدولة العراقية الراهنة.

ثانيا –التشكيلة الاجتماعية العراقية والطائفية السياسية.

ثالثا –الوطنية الديمقراطية وبناء الدولة العراقية.

استناداً على الموضوعات المثارة نحاول التقرب منها برؤية نقدية قابلة للإضافة والتطوير.

اولاً - سمات الدولة العراقية الراهنة.

تمر الدولة العراقية بفترة سياسية من أصعب فتراتها التاريخية وذلك بسبب كثرة من العوامل الناخرة في بنيتها السياسية -القانونية - الإدارية والتي يمكن تحديدها بالعناوين التالية –

1- ازدواجية المؤسسة العسكرية

تواجه الدولة العراقية تحديات سيادية من مصادر متعددة تتصدرها القوى الإرهابية التي تعيث بالبلاد فوضى سياسية- أمنية، إضافة الى المليشيات الحزبية المسلحة وقيامها بأعمال امنية تشمل الاعتقال، التحقيق، والتصفية الجسدية. وتتقاسم الفصائل الإرهابية والمليشيات الحزبية معاداة الديمقراطية السياسية وسيادة القانون انطلاقاً من رؤى سلفية اقصائية.

2 -ازدواجية المهام الأمنية

تمارس المليشيات الحزبية المسلحة عنفاً سياسياً ضد القوى الوطنية -الديمقراطية من خلال امتلاكها لسجون سرية، وممارستها لمهام أمنية تتمثل بالاعتقال السياسي، التحقيق مع المعتقلين، الاغتيالات السياسية ناهيك عن كسر التظاهرات الشعبية المطالبة بإرساء الأمان والقانون في تشكيلة العراق الوطنية.

3 -تقاسم المنافذ الحدودية

- رغم ان المعابر الحدودية جزءً من سيادة الدولة الوطنية الا انها أصبحت شكلاً من أشكال المساومة الطائفية بين المليشيات المسلحة والدولة الوطنية باعتبارها- المعابر- مورد مالي للقوى المسلحة وما يحمله ذلك من اهدار حق الدولة في امتلاك مصادرها المالية.

 ثانيا –التشكيلة الاجتماعية العراقية والطائفية السياسية.

تعيش التشكيلة الاجتماعية العراقية تراجعا في بنيتها السياسية وتدني قدرتها الفعلية على مواجهة التحديات التي تكتنف مسيرة بناء هيمنتها الوطنية.

لتأشير عوامل تراجع بنية وفعالية التشكيلة الوطنية العراقية يمكننا حصرها في العوامل التالية-

1—سيطرة الطبقات الفرعية السياسية في تشكيلة العراق الاجتماعية.

2- هيمنة الأحزاب الطائفية على سلطة الدولة العراقية.

3—اعتماد الطبقات الفرعية على برامج سياسية – طائفية.

4 - تقسيم البلاد الى أقاليم طائفية بين الاحزاب الطائفية السياسية وقواها الحزبية.

5- تدني مساهمة الأحزاب الديمقراطية في تحديد سبل تطور الدولة الوطنية وصيانتها من التبعية والتهميش.

ان السمات الناظمة لمسار تطور التشكيلة الاجتماعية الوطنية إضافة الى حيازة القوى الفرعية لمليشيات مسلحة أفضت الى التشكيك بالشرعية الديمقراطية وسلامة نتائجها الانتخابية.

- الانتخابات التشريعية تعكس طبيعة القوى السائدة في التشكيلة العراقية والتي يمكن تحديدها بتيارين سياسيين –  

- الأول منهما يتمثل بالقوى السياسية الطائفية التي تتمتع بالهيمنة الفعلية على أجهزة الدولة العراقية منوهاً الى ان هذه السيطرة لا تعتمد على برامج وطنية -اجتماعية شاملة، بل ترتكز على رؤى أيديولوجية تحاكي الماضي وروحه المذهبية.  

- المحور الثاني يتجسد بقوى اليسار- الديمقراطي المساند من القوى الوطنية الديمقراطية الرافضة لهيمنة الطائفية السياسية والمطالبة بإجراء انتخابات على اساس برامج سياسية – اجتماعية وطنية بعيدة عن منطلقات وأهداف طائفية سياسية.

استناداً الى ذلك يتمتع برنامج الوطنية الديمقراطية بأهمية تاريخية تنبثق من دفاعه عن البناء الديمقراطي للدولة العراقية وترسيخ وحدته الوطنية وتمكينها من مناهضة الخارج الرأسمالي الهادف الى تقسيم -الدولة العراقية - الى أقاليم طائفية وتعويم الروح الوطنية لتشكيلة العراق الاجتماعية.

ثالثا – الوطنية الديمقراطية وبناء الدولة العراقية.

يتمتع مشروع الوطنية الديمقراطية بأهمية تاريخية في ظروف التوسع الرأسمالي لعدة اسباب لعل أهمها-

- ترسيخ الوطنية العراقية.

بعكس الطائفية السياسية المتدثرة بمسلمات سلفية ترتكز الوطنية العراقية على الدفاع عن مصالح طبقات بنيتها الاجتماعية بغض النظر عن انتماءاتها الدينية ساعية للدفاع عن سيادة البلاد الوطنية.

- الشرعية الديمقراطية.

تميل أحزاب الطائفية السياسية الى المنافسة الطائفية الامر الذي أفضى الى تحجيم مشروعها الوطني بعكس مشروع الوطنية الديمقراطية الذي يسعى الى اشاعة الديمقراطية لكل الشرائح الاجتماعية والدفاع عن حقوقها بأساليب شرعية ديمقراطية.

- بناء الدولة الوطنية.

يسعى مشروع الوطنية الديمقراطية الى استقلال البلاد وصيانة وحدتها الوطنية وتطور اقاليمها بما يتناسب والمصالح القومية لأممها المتعايشة، بينما تسعى الطائفية السياسية الى تقسيم الدولة الوطنية الى أقاليم طائفية متعارضة والمصالح القومية الامر الذي يدفع المشاكل القومية الى تخوم الحروب الاهلية.

--مناهضة التبعية والتهميش.

تميل الطائفية السياسية الى التبعية والتحالف مع القوى الإقليمية المتشاركة ورؤيتها الطائفية بينما يهدف مشروع الوطنية الديمقراطية الى التحالف مع الدول المناهضة للتبعية والالحاق ويعمل على صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش.

أخيرا أشير الى ان شرعية الانتخابات التشريعية تتأتى من قوة الدولة الوطنية وقدرتها على ترسيخ هيمنتها السياسية في التشكيلة العراقية استناداً الى –

أولاً- وحدانية سيطرة الدولة على أجهزتها السيادية -الامن، المؤسسة العسكرية، العلاقات الخارجية.

 ثانياً- تحريم حيازة السلاح خارج الشرعية الوطنية وصيانة روح المواطن من الاغتيال – الاعتقال ومحاصرة روحه الوطنية.

ثالثاً- مضامين البرامج الاجتماعية - السياسية المتنافسة الهادفة الى صيانة مصالح تشكيلتها الاجتماعية وصيانة وحدة البلاد الوطنية.

ان توفير بيئة امنية – سياسية بعيدة عن لغة السلاح والهيمنة الطائفية كفيلة بأجراء انتخابات حقيقية تسعى الى بناء دولة وطنية – ديمقراطية تتعايش في ظلها القوى السياسية والطوائف الدينية - والقومية المتأخية.   

عرض مقالات: