ثمة أسباب عديدة لحالة الضعف التي سادت عديدا من البلدان أمام فيروس كورونا الذي يحصد مئات الآف الضحايا في بلدان ((العالم المتطور)). وربما من بين أهم تلك الأسباب نوازع وعقلية الفرد الذي ينتمي الى الطبقة المتوسطة في هذه المجتمعات. نوازعه الى زيادة دخله، وحرصه على دفع أدنى نسبة ممكنة من ذلك الدخل كضرائب لتمويل قطاعات الرفاه الأجتماعي، وأهمها التعليم والصحة ورعاية المسنين والأطفال وغيرها.

وفيما يتعلق بالعقلية، ميله الى التعاطف مع رب العمل على حساب الشرائح الأضعف، ونظرته الى أفراد تلك الشرائح كطفيليين وعالات تعتاش على جهده وجهد رب العمل، وتستنزف أو تسرق ما هو أحق به منهم، وعدم الإنتباه الى تراكم ثروات المليارديرات، وربما قبوله بفكرة أن ما يجنوه من ثروات مهولة، ليس سوى حقا من حقوقهم.

هذا الموقف من جانب الطبقة المتوسطة، وهي تشكل حوالي ثلثي السكان في ما يسمى ببلدان منظومة الرفاه، ينعكس في إنحياز أفرادها المتزايد، عاما بعد آخر الى سياسات أحزاب اليمين، التي تستجيب لهذه التطلعات من خلال تقليص الأنفاق على مجالات الصحة والتعليم والرعاية الإجتماعية، التي تشكل أساس منظومة الرفاه اإجتماعي. أمر يدفع حتى الأحزاب الديمقراطية الأجتماعية التي قامت على اسس أيديولوجية تعبر عن تطلعات الضعفاء، يدفعها الى تبني سياسات تقترب من سياسات أحزاب اليمين حتى لم يعد ممكنا، في بعض الأحيان، التممييز بين برامج أحزاب اليمين واليسار، أما اليسار الأكثر جذرية فلم يعد يحصل على أكثر من 10% من الأصوات في أحسن الأحوال.

وصارت الحكومات بغض النظر عن جذرها الأيديولوجي تنهج سياسات تتساوق مع ميول الطبقة المتوسطة، التي ينتمي لها غالبية الناخبين. تلك الطبقة تحملها أنانيتها، على الإنحياز الى سياسات المحافظين الأقتصادية التي تعمق الفوارق الإجتماعية، وخشية فقدان أصوات ناخبي الطبقة المتوسطة، إنخرطت الحكومات في التنافس على طرح برامج لتقليص الإنفاق على قطاعي التعليم والصحة، بما أدى الى بقاء أجور العاملين فيهما في أدنى المستويات، وأفضى ذلك إلى إتجاه عديد من الممرضات السويديات الى العمل في البلدان المجاورة كالنرويج على سبيل المثال.

 كما أدت تلك السياسات الى عدم الألتفات الى ضرورة توفير فائض من المعدات والمستلزمات لمواجهة الطواريء. بحيث أن بلدا كالسويد، واجه في بداية أزمة كورونا صعوبة في توفير معدات الوقاية للعاملين الصحيين الذين يتعاملون مع ضحايا وباء كورونا، ناهيك عن توفير الكمامات للأفراد العاديين. وكلف ذلك السويد نسبة وفيات فاقت مثيلاتها في البلدان المجاورة، وغيرها من البلدان التي تقاربها، من حيث مستوى التطور الأقتصادي والعلمي. وعلى صعيد التعليم لجأت البلديات الى تعيين غير المؤهلين، أي غير الحاصلين على شهادة التعليم، في المدارس، جراء أنصراف الشبيبة عن الألتحاق بمعاهد إعداد المعلمين، بسبب تدني أجور المعلمين. وأفضى ذلك بدوره الى تدني مستويات الأداء التعليمي في المدرسة السويدية، مقارنة بالمدرسة الفنلندية لا بل حتى بمستوى مدارس في بلدان لا تصنف كبلدان متطورة.