أخذ حراك السياسي المنتفض في الشارع العراقي الهادف إلى التغيير الديمقراطي، يتميّز بطابعه التواصل في دوام الحضور الفاعل. بمعنى انه لم يغادر الساحة. وهذا ما يدعو إلى الإلهام الشاحن للإقدام نحو تحقيق الأمل في اقامة نظام دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، كبديل عن نظام المحاصصة الفاشل الزارع للفساد.. هذه الصفحة بحاجة إلى قراءة جادة ليست فقط بين سطور فقراتها انما حتى وضع الفوارز وماذا تعني نقاط نهايات الجمل التي تكتب وتبقى معلقة { لا هي محلّقة ولا تقبل تطيح } كما يقول المثل الشعبي.
لقد أمست وفيرة ولادة المنظمات والحركات وحتى الاحزاب المدنية الجديدة. ولكنها تفتقر لجاذبية مناسبة فيما بينها. رغم المشتركات الكثيرة، ويبدو أنها تعمل دون اي تحسب لتزايد التردي في الاوضاع الاجتماعية والحياتية عامة، وبخاصة السياسية في البلاد، والأدهى أن بعض هذه المنظمات في حالة يغلب عليها الانشطار الذاتي. وكأنها قد وجدت لذاتها ليس الا. مع أن المعلن من اهدافها يمكن تصنيفه بأعالي الغايات المطلبية الوطنية الخالصة، لكن لا منطق يؤكد بانها هينة التحقيق، دون تحشيد القوى المدنية الديمقراطية المؤمنة بها.. إن اللائمة هنا تقع على القوى التشرينية تحديداً والتي يُؤشر واقعها بانها تتسم بالمراوحة المملة جراء البعثرة والتشتت اللذين من شأنهما اعاقة اي مسع للاقدام في سبيل تحقيق اهداف الحراك الجماهيري المتواصل منذ اواسط 2011 الممهد لانتفاضة اكتوبر 2019 .
ومفرح يقيناً أن المؤتمرات التي تعقدها طليعة هذه القوى المدنية تعكس تبلوراً بدأ يحصل في قناعاتها لاهمية الترابط الوثيق بين جميع الاطراف المناضلة.. والذي يحسب من ابرز مقتضيات بناء دولة المواطنة واقامة نظام العدالة الاجتماعية، والتخلص من الكارثة الشاملة التي تحل بالبلد.. غير ان اتخام " ورقة عمل " هذه المؤتمرات فيما يتعلق بهيكلية التشكل، بمزيد من الاشتراطات المتحسبة التي يطغي عليها مبدأ " الكل يحوز النار لرغيفه " ينبئ بتخزين بذور الافتراق وربما تصل إلى حد الرعاية دون قصد. علماً أن هذه القوى المدنية الديمقراطية بالرغم من كونها متجانسة بالاهداف القريبة مرحلياً. الا أن ابعادها الاستراتيجية لابد ان تكون محكومة بمنطلقاتها الطبقية والايدلوجية. وهذا ما يستدعي العمل الجاد المسؤول، لتكثيف الاهداف وتمركزها وتمحورها حول ما يعنى بحياة الناس وسبل عيشهم وسلامة المجتمع من شرور الطائفية المقيتة والمحاصصة المدمرة والجرائم المنظمة.
ومن الموجب التنبيه إلى أن الزمن له " حوبة " كما يقال، اي مدى تأثيره على بقاء اختمار الرؤى وتماسكها الفاعل في الملعب السياسي ضمن راهنياته المتصارع حولها. بمعنى ليس من الجدية والمصداقية ارخاص الوقت عبر المطاولة بالجدل حول التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان، والذي يفرضه تعدد الاطروحات المنبعثة من صلب ثنائية { النار والرغيف } بمعنى من المعاني الانصراف عن ضرورة التواجد الفاعل المناسب في الوقت المناسب. حقاً إن الحضور لا يعني شيئاً بمجرد اثبات الوجود بأي شكل كان، واذا ما جاز الوصف لهذه الحالة فهي لاتفسير لها سوى "مراوحة الذي قد فقد بوصلته " .. إنما الحضور المتجسد بالفعل المؤثر الملموس والمقنع. وبلغة الامثال " من يعبئ بالسلة رقي ".
وعودة على بدء لنقول إن مؤتمرات قوى التغيير سوف لن تكون ذات رجاء إذا لم تكن بمثابة المطبخ الذي تنضج فيه تركيبة العمل الواقعية، التي ينبغي أن ينتصب " اناء طبخها " على ركائز ثلاثة لا رابعة لها.. الا وهي اولاً: الغاء نظام المحاصصة الطائفية وافرازاتها المهلكة، ثانياً: اقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية الحريصة على سيادة وثروات البلد. ثالثاً: القضاء على الفساد والكشف عن مصير المغيبين والمختطفين وملاحقة قتلة النشطاء " وذلك بأرساء القضاء العادل الحازم بعيداً عن التسيس.