تشهد ساحات الاحتجاج وبخاصة من الخرجين واصحاب الشهادات العلمية مطالبين بفرص عمل وحل لمشكلة البطالة المتزايدة. وصولاً إلى تحقيق العدالة بمنح الوظائف لمن يستحقها، من القوى المنتجة العاطلة حالياً على وجه التعيين، وقد بلغ عدد المسجلين منهم وكبداية 7500 عاطلاً لحد الان. من جملة الآلاف الفاقدين لمصادر أرزاقهم، الذين من رواد مساطر العمال ذوي الأجور اليومية المتدنية للغاية. هؤلاء غالباً ما ترافقهم المعاناة والأمراض وعسر الحال، يضاف إليهم الكسبة وعمال الخدمات الذين لا يحصلون في أحسن الأحوال على أجور لا تغطي سوى وجبة طعام بائسة واحدة في اليوم الواحد. هذا كله ما هو إلا الصفحة المكشوفة من الفقرالمتقع الذي وصل بالعراقيين إلى حدود تتعدى 30% من مجتمع هذا البلد صاحب الثروات التي لا تعد ولا تحصى. غير انها منهوبة من قبل العصابات واللصوص التي لا يعرف امتدادها.
لا مجال للتخيل بان عاقلاً يتوهم بان العراق يخلو من فرص العمل لابنائه، فهو المقصود من قبل الباحثين عن الوظائف من مختلف البلدان عبر تاريخ طويل وفي مختلف الازمان. حيث عرف عن المواطن العراقي، في غير هذا الزمن طبعاً، بانه لا يرغب الاغتراب في سبيل البحث عن العمل. واليوم يوجد مئات آلاف من القوى العاملة العراقية العاطلة عن العمل. يقابلها مئات الآلاف ايضاً من العمالة الاجنبية المستوردة في البلاد. هذه ليست فزورة وليست كذبة شهر نيسان ولا هي مناكدة سياسية انما حقيقة صادمة .. متمخضة عن الفشل الكبير الذي خلفته الطغمة الحاكمة ولا أحد يمكنه استيعاب هذه المفارقة التي تكثر فيها البطالة لبنات وأبناء البلد وفي ذات الوقت تكثر فيها العمالة الاجنبية التي تشكل سبباً طارداً للايدي العاملة العراقية عن مواقع العمل. بمعنى زيادة البطالة وتبعاً لها زيادة الفقر. والسكوت يلازم المسوؤلين. فهل هو الرضا عن هذه الحال؟؟.
حقاً انها صدمة من جراء هذه الدراما المذهلة عندما يطّلع المرء على حقيقة العمالة الاجنبية التي صار لها سوق وهيكليات وبورصة وشركات بزنز نشطة ومدعومة من قبل المؤسسات الرسمية المسؤولة عن إدارة شؤون القوى العاملة العراقية، والمعنية بمعالجة البطالة. فأساس تجارة العمالة الاجنبية المخرّبة، هي أن رجال اعمال من المتنفذين قد أسسوا شركات لاستيراد العمالة الاجنبية، وبأسعار منخفضة لكل عامل، ومن ثم يُباع في سوق العمل العراقي إلى مؤسسات الدولة وغيرها باسعار مضاعفة، مما شكل ازاحة عملية مقصودة للايدي العاملة العراقية.. يتم ذلك دون اي واعز من ضمير وطني او انساني، مع التزايد الطردي لمعاناة الكادحين، من بنات وابناء البلد الذين غالباً ما يتواجدون مرابطين امام الشركات والمؤسسات الحكومية، أو يذرعون الشوارع باحثين عن أبسط فرص عمل، بالرغم من امتلاكهم لكفاءات ومهارات ليست موجودة لدى غيرهم ممن اقتنصوا فرص العمل دون وجه حق.
إن معظم الذين استشهدوا أو جرحوا خلال انتفاضة تشرين 19 هم من الذين تخرجوا من الكليات ولم يعينوا، {خمسة واربعون ألف خريجاً}، في كل عام. وكذلك ممن فقدوا وظائفهم بسبب التحطيم المنظم عمداً للصناعة وللزراعة في البلد بهدف اولاً: لغاية جعل العراق سوقاً لبضائع بلدان الجوار وغيرها، وثانياً: حصر وظائف الدولة بمحاصصة لاعضاء القوى المتنفذة، وكذلك للعمالة المستوردة التي تدر على من يتاجر بها ارباحاً ضخمة، وبصورة غير مبررة لا بالمهارات المهنية، ولا بكفاءات حملة الشهادات العلمية.
وإذا ما توفرت لدى من يتم توظيفهم من اتباع أحزاب السلطة أو المستوردين، شهادات دراسية فهي على الاغلب الأعم مزورة. صادرة من خارج البلد وباختصاصات غير موثقة علمياً.. والأدهى من كل هذا أن يتم تعميدها من قبل الكليات الأهلية المتزايدة بشكل ملفت، التابعة للفاسدين ولتجار السحت الحرام على حساب أرزاق الناس وسبل عيشهم برغم من أنها عصية في هذه الايام. الأمر الذي أصبح فيه العراق يسمى ببلد {المليون عاطل}. وأكثر من ثلث شعبه تحت خط الفقر. وذلك موثّق لدى الامم المتحدة. ولا حل لهذه الكارثة إلا بالتغيير لنهج حكم المحاصصة والفساد. وارساء العدالة الاجتماعية التي تطالب بها قوى التغيير.