العملية الانتخابات هي النافذة التي يفترض ان تكون رحبة وتسهم بادخال{ العافية } المتمثلة بالاستقرار والعدالة والتعايش الحضاري بين مختلف الفئات الاجتماعية. وينبغي ان تتمخض عن حكومة عادلة جديرة، تتكفل بخلق المناخات الجاذبة والمحفزة للنمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. معناه الاتيان بنهج سياسي جديد لانقاذ بقايا الدولة. هذا كله مرهون تماماً بتوفر مستلزمات الاقتراع. التي يتقدمها ضمان الأمن الانتخابي. حيث يأخذ الناخب والمرشح حريتهما بالاختيارويحظيان بالحماية، يقابل ذلك الا يختلف صندوق التصويت هو الاخر. عن ان يصار بمنآى من المخالب السوداء المزورة او السارقة والحارقة.
ان ما ذكر هو من المؤمل ومن الموجبات ان تتحلى بها العملية الانتخابية. ولكن العتبة التي ينبغي التوقف عندها: هي الارادة الحاكمة بقرار الاشتراك او عدمه في خوض الانتخابات.. ومن المعروف لا يوجد هنالك ما يلزم أي طرف بالاشتراك سوى ارادته بالاختيار، وبحثه عن ضالته بالتغيير، وايمانه بتحقيق سعادة شعبه، وحرية وطنه. بضمان سلامة ونزاهة الآليات الديمقراطية المكفولة دستورياً، التي تتطلبها عملية الاقتراع. وما عدا ذلك يصبح المشهد في الساحة العراقية، يئن رازحاً تحت ثقل تنوع الارادات المختلفة المتصارعة، التي في الأعم الأغلب لديها قناعات مختلفة ومتناحرة، هذا وناهيك عن بقاء مناخها المفترض عائماً عاصفاً. لكونه ليس معززاً بالالزام القانوني، لذا يمضي التزوير موازياً للعملية الانتخابية، كما يكمن فيها الانتهاك المسلح بالكواتم الغادرة. كأفراز طبيعي لتمسك المتنفذين بدكتاتوريتهم المستترة المزوّقة بمساحيق ديمقراطية.
يلاحظ في حالنا السياسي الراهن الذي صار متخماً بالعسف والظلم وعدم توفر اي اعتبار للحقوق الدستورية حتى وان كانت غير سليمة اصلاً، ويتزامن معه وعلى حد المثل القائل " زيادة الحمل تعلاوة " .. اي ثقل اقتحام الاجندات الخارجية الشرسة، التي غايتها قطع حبل سر المرتهن بالهوية والمصلحة الوطنيتين، ومشي مسفرة بالتوغل باثة بدائلها المتمثلة بالتجهيل وترويج الهويات المذهبية والقومية الضيقة المفرّغة من اية سياسة خدمية اوالتنموية وطنية. بهدف الاستحواذ ووضع البلد كملحق على سكة التبعية ليس الا..
وعلى هذه اللوحة. تطفح ردود الفعل مجسدة بمواقف رافضة . ومنها من تنحو باتجاه تعليق المشاركة لحين توفر الشروط المطلوبة للانتخابات وليست القطيعة معها.. واخرى تطالب بالغائها والاكتفاء بحكومة انقاذ عسى ان توفر اوضاعاً سياسية سليمة بديلة .. على ان يكون في مقدمتها ازاحة طغمة الفساد والغاء نهجها السياسي الفاشل، وهنالك سيناريو اخر يذهب الى ابعد من هذا التصور. بمعنى الاستمرار بالتظاهر لغاية اسقاط ما سمي بـ " العملية السياسية " بقضها وقضيضها. وكأنه يقول لا للديمقراطية دون ان يفصح عن ارادته البديلة المناسبة المطلوبة.. وبذلك يمكن وصف هذا الموقف بالضبابية السياسية الى حد ما !!.. طالما ظل بديله مبهماً وسط هذا الاضطراب الصاخب المتسارع الانهيار.
ان كافة الصيّغ التي تُطرح و الارادات غير المقتنعة بخوض الانتخابات، لا سيما عند التمعن بعموم هذا التنوع، تتجسد في اللوحة امام المتابع وكأنها " حمالة اوجه " . فالمقاطعة مشروعة للاسباب التي ذكرناها انفاً هذا من ناحية، ومن جانبها الاخر تعني اعطاء مساحة شبه مطلقة للمزورين وللفاسدين، وبوجهها الاساس وحينما لم تجرالانتخابات سوف تبقى " الدكتاتورية المموهة " بيد القابضين على السلطة اي استمرارالتدمير بلا حدود .. والذي سيفجر ليس انتفاضة هذه المرة انما الانفجار الكبير الذي في حصيلته النهائية: اما ان يبقى العراق جريحاً منهكاً، او لن يبقى اصلاً، يعاني من انشطار الى اجزاء ذليلة، متناولة كلمقة سائغة بين فكوك الحيتان الاقليمية الشرسة.