تعاني حركة نقد الفكر الديني في عالمنا العربي، من أقلام لم تبلغ سن الرشد فكريا، تسيء الى الحركة، وتخلق قطيعة بينها وبين الجماهير المؤمنة. ويلبس أصحاب هذه الأقلام زيا موحدا، هو زي الكتيبة المناضلة، التي تريد إزالة الدين من عقول وضمائر المؤمنين، بدلا من إيقاد مصابيح تنوير صغيرة، تحفز المؤمن على التعامل مع أيمانه بحكمة ونضج وأعتدال، كعلاقة روحية بينه وبين ما يؤمن به.

أصحاب هذه الأقلام أشبه ما يكونوا بناشطين يبشرون بدين جديد ينقض الديانات الأخرى والإسلام على وجه الخصوص، وليس  كطلائع حركة تنوير، تتعامل مع الدين كظاهرة إجتماعية خاضعة لقانون التطور، مثل كل ظواهر الوجود الفيزيو ـ كميائي الأخرى.

أصحاب هذه الأقلام يتعاملون مع المؤمنين كمعاقين ذهنيا، يتعين علاجهم بالصدمات ((لإعادتهم الى رشدهم المفقود بفعل وباء الدين)). ولا شيء يضر بحركة نقد الفكر الديني، كما تضر هذه الصبيانية الفكرية، التي يتوهم المصابون بها أنهم قد أكتشفوا المجهول بتحليل النصوص الدينية المقدسة تحليلا طفوليا، يبرز تلك الجوانب التي لم تعد تتلاءم مع روح العصر فيه، ويصر على إعتبارها جوهر الدين، ويصب من خلالها  هجماته على الدين، مهملا ما تتضمنه النصوص المقدسة من جوانب روحية سامية، تشكل ملاذا نفسيا للمؤمن، المحاصر بقسوة الحياة ومخاوف ما بعد الحياة.

إهمال حاجات الإنسان الروحية، وجعل المؤمن يشعر أن ناقد الفكر الديني، عدو له يحتقره، ويسعى الى إهانة معتقداته وتدميرها، ليس من التنوير في شيء، بل هو تدمير لأية إمكانية للتأثير الأيجابي في وعي المؤمنين، وتحفيز للروح العدوانية فيهم، بدلا من تحريك ملكاتهم الفكرية، ومساعدتهم على الأنفتاح على القيم الإنسانية العامة، والتوافق مع روح العصر وحركة التجديد.

 أخطر المراهقين الفكريين على حركة النقد الديني، هم إولئك الذين يؤكدون للمؤمن المسلم أن الإرهابيين هم ممثلوه الحقيقيون، لأن فكر وممارسات الأرهابيين تمثل جوهر الدين، كما يزعم المراهقون، وهم بزعمهم هذا يدفعون المؤمن دفعا الى أحضان الأرهاب. هؤلاء المراهقون يصبون الماء في طاحونة الإرهاب أدركوا ذلك أم لم يدركوا.

مع إن بأمكانهم أن يؤثروا بشكل أيجابي في وعي المؤمنين عير إبراز حقيقة أقر بها أئمة مسلمون وهي أن النصوص الدينية (( حمالة أوجه )) وأن الفرد أو من يتحكم بوعي الفرد هو من يبرز وجوهها الأيجابية بما يعزز روح التسامح والتعاون بين الناس بعض النظر عن معتقداتهم الدينية، من خلال التأكيد على الطبيعة الروحانية لتلك المعتقدات والنأي بها عن السياسة وصراعاتها، والتخلي عن محاولات فرضها على الآخرين. أو يطمس تلك الجوانب ولا يرى في الدين سوى ما فيه من سلبيات، ويصمة بأشنع الصفات، ويوجه الأهانات لمعتنقيه، مما يخلق هوة لا يمكن جسرها بين تيارات التنوير وجماهير المؤمنين.

ويزداد هذا المنحى سوءا وتخريبا حين ينصب الهجوم على دين معين دون غيره من الأديان، وإعتباره مصدرا أوحدا للشرور.

لا ينبغي لحركة نقد الفكر الديني أن تستهدف أجتثاث المعتقدات الدينية من وعي الناس، بل أجتثاث جوانب محددة منها هي تلك التي تعيق التآلف والتوافق بين الناس والتعاون بين البشر على أختلاف معتقداتهم الدينية والفلسفية، وضمان حرية الفكر والعقيدة.

كيف لنا أن ندعي العلمانية ونحن نعمل على نفي وإقصاء، لا بل إجتثاث معتقدات دينية بعينها، ونهين معتنقيها؟