هل مستويات الوعي الراهنة في المجتمعات العربية، تؤهلها لبناء منظومة سياسية ـ اجتماعية متقدمه تتجاوز منظومة الأستبداد؟

 أزعم ان الأجابة على هذا السؤال، وأساسه البحث في علاقة الوعي بالديمقراطية، تحتل موقعا مركزيا فيما يتصل بتجارب مجتمعاتنا وصراعاتها من أجل حل مهام الحاضر ورسم ملامح المستقبل. ودون الوصول الى أجابة سليمة عليه سنواصل أجترار ذات الراي عن عدم أهلية المجتمعات المتخلفة للديمقراطية، لأن افتقارها للنضج سيعيد انتاج تجاربنا الفاشلة، والرأي المضاد، الذي يؤقن بان الديمقراطية قادرة على تصحيح نفسها، بمزيد من الديمقراطية، وأن لابد من أطلاق الطفل في المياه لتعلم السباحة، ودون ذلك سنقر بالخضوع للتعسف والأستبداد الى الأبد.

 في كلا الرأيين جانب أكيد من الوجاهة يجعلنا في حيرة من أمرنا، هل نغامر بالأعتماد على الديمقراطية حتى لو أفضت الى أوضاع تعيد مجتمعاتنا الى ما كانت عليه قبل أكثر من الف وأربعمائة عام على امل أعادة تصحيح الخيار عبر مزيد من الديمقراطية؟ أم نحتمي من ذلك بأنظمة الأستبداد على أمل ان تنجز يوما ما إصلاحات في مجال التعليم وفي المجال الحقوقي بما يساعد على نهضة مجتمعية تتيح إزاحة المستبدين؟

 السبب في هذه الحيرة يتصل يكمن في نظرتنا الى الديمقراطية باعتبارها مجرد صندوق إقتراع تختار بواسطته الأغلبية حكامها وما يناسبها من قواعد وقوانين. والحقيقة أن صندوق الإقتراع ليس سوى نتيجة وتعبير عن أسس الديمقراطية وهي الحريات، وجوهر الحريات: حرية الفكر والتعبير. وبدونها لا ديمقراطية ولا حريات.

 وما دام وعي الأنسان محكوما ومقيدا بأفكار وقيم أجتماعية ثابتة، ومعتقدات دينية وما يبنى عليها من فقه يحدد قواعد السلوك الفردي والجمعي، ويقمع ويمنع إي تعبير علني أو سري عن فكر جديد، سيبقى الأنسان ومجتمعه يدوران في دائرة مغلقة، لا يمكنهما تجاوزها، وستكون النتيجة مواصلة أجترار ذات الأفكار وذات المواقف، وذات الخيارات فكريا وعقائديا وسياسيا، والمراوحة في ذات المواقع المتخلفة عن ركب التطور البشري، والغرق في صراعات محلية وأقليمة لا تنتهي.

 خروج مجتمعاتنا من من هذه الدائرة الجهنمية، يعتمد على أدراكنا ان جوهر الديمقراطية هو حرية الفكر والتعبير، وأن العمل ينبغي أن يتوجه لضمانهما قبل ضمان عملية الأقتراع، حتى لو كانت حرة ونزيهة، فبدونها سيتجه الناس الى صناديق الأقتراع بعقول مقيدة، تحدد خياراتهم، بما لا يختلف عن الدائرة الجهنمية التي يعيشون فيها والتي تنتج الإستبداد والظلم والتناحر والتخلف والفقر.