حكى ذات يوم الراحل الشاعر رشدي العامل، عن مفارقة مهمة في حياته، فبعد اعتقاله، وتعرضه للتعذيب قد أحيل مع مجموعة لأحد المحاكم الصورية، وكانت المفاجأة أن يكون قاضيهم صديقا أديبا له، عرف بإعماله القصصية والروائية ذات المنحى الإنساني العميق.
إذ حاكم هذا الروائي (كونه قاضيا) زملاءه المبدعين ومناضلين آخرين، بناء على الأحكام العرفية التي أصدرها الانقلابيون الفاشست الذين جاءوا يوم 8 شباط 1963 الأسود، لمطاردة الشيوعيين وأبادتهم.
وزاد البعثيون على قوانينهم القمعية بعد مجيئهم في انقلاب 1968، المزيد من فقرات الإعدام والسجن بحق الشيوعيين والديمقراطيين والمعارضين عموما.
ومازال قانون العقوبات البغدادي معمولا به رغم زوال النظام الدكتاتوري القمعي الذي أصدرها.
ومن ضمن هذه القوانين المادة 226 من قانون العقوبات العراقي لعام 1969.
التي تنص يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية.
وكانت هذه السياسة المكممة للأفواه، السيف المسلط على رقاب الشعب العراقي، التي تبدأ بالاعتقال والتعذيب ولا تنتهي بإصدار الاحكام.
فنقد أي دائرة ما، يؤدي إلى التهلكة، وما على المواطن سوى البلع بلا هضم أو سؤال.
لكن الغريب أن هذه الفقرة مازال العمل بها جاريا، وبشكل مخالف للدستور الدائم الحالي الذي تؤكد الفقرة ب من المادة 2، انه لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية. وتؤكد المادة 13 ثانيا، إنه لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قــانوني آخــر يتعارض معه.
وتشير الفقرة ج من المادة 2، الى انه لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
إن اعتقال وإصدار أوامر بالاعتقال على ضوء المادة 226، تعتبر عملا شائنا وتوجها معيبا بحق القضاء العراقي، ومخالفة واضحة للدستور، وانتهاكا صريحا لحرية الرأي، وقمعا مشرعا لكل من يتجرأ في الدعوة لمحاسبة مافيا الفساد والاهدار العام في دوائر الدولة ومؤسساتها على ضوء تفسير (الإهانة) المقصودة في المادة.
قل لي كيف ينام المرء وتحت سريره ثعبان قاتل؟