الدين والسياسة ليسا موضوعا واحدا، ولا الدين والدولة في الإسلام شيئا واحدا، كما يريد المتأسلمون أن يرسخوا في الأذهان. السياسة كانت موجودة قبل الدين في أنظمة الحكم السابقة للدين، ورافقته خلال فترات انتشاره، واستخدمته واستخدمها، وظلت السياسة موجودة بعد انحسار تأثير الدين في كثير من المجتمعات.

السياسة أمر يتعلق بتنظيم علاقات البشر فيما بينهم، بغض النظر عن معتقداتهم. والدين يتعلق بعقيدة الأنسان وتصوراته عن الوجود والحياة، وما بعدها، وماتفرضه تلك التصورات على المؤمن بها من واجبات وفروض تتعلق به شخصيا ولا صلة لها بالآخرين.

وفي سعيهم لترسيخ فهمهم للعلاقة بين الدين والسياسة يؤكد المتأسلمون أن النبي محمد كان رئيسا لكيان سياسي، ودولة مركزية يقف هو على رأسها، وواصل خلافاؤه الراشدون قيادة تلك الدولة. وحقيقة الأمر أن أي شكل من أشكال الدولة لم يؤسس على زمن النبي. وأن قبائل شبه الجزيرة العربية ظل كل منها يحتفظ باستقلاله السياسي، وتأسست بينها علاقات قائمة على التعاون، بدل علاقات الغزو المتبادل التي حكمت علاقاتها قبل إنضوائها تحت جناح العقيدة الإسلامية الفتية حينها.

كان ما يجمع تلك القبائل في حياة النبي أبعد مايكون عن السياسة، بمعنى وجود هيئات مشتركة مقررة للحياة العامة، تضع القوانين، وتنشيء الأجهزة الإدارية لتنفيذها، لم يكن بين القيائل ما هو مشترك عدا أحكام الدين التي ترتبط بالجانب الروحي ((العبادي)) مثل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان، والحج لمن استطاع إليه سبيلا.

الكيان الإسلامي الذي وجد على عهد النبي ــ إن كان ثمة ما يمكن أن نطلق عليه نعت كيان ــ كان بالغ المرونة، لا يتطلب من أطرافه ــ رؤساء القبائل ــ أكثر من الذهاب إلى النبي لإشهار إسلامهم شخصيا ونيابة عن أفراد قبائلهم، ثم العودة الى ديارهم، حاملين رايات يعقدها لهم النبي، لمواصلة دورهم في قيادة قبائلهم ومواصلة تدبير شؤونها.

وهكذا فان التأريخ الأسلامي، حتى وفاة النبي، لم يحفظ لنا أسما أو حاكما عينه النبي محمد على منطقة أو قبيلة. ولم يتبوأ النبي قيادة جهاز دوله مركزي يقف، على رأسه ويعين موظفيه ويعفيهم.