كرد طبيعي على استهتار سلطة الدكتاتور صدام حسين وجلاوزته تجاه تردي الاوضاع واستهتار السلطة وتصعيد ارهاب الجماهير وارتكاب الجرائم ضد الشعب وتنفيذ سلسلة الاعدامات في السجون للمناضلين من مختلف القوى الوطنية والحروب البشعة التي خاضها النظام مع إيران والكويت، وما ترتب على ذلك من مأسي على الشعب وقتل الآلاف من شبابه فيها، تفجرت في شهر آذار أوسع انتفاضه في تاريخ العراق الحديث هي انتفاضة الأول من آذار المجيدة.

تساءل وكتب الكثير عن هذه الانتفاضة متى كانت بدايتها؟

هل كانت بدايتها الأول من آذار؟ أو قبله أو بعده، يشير البعض في كتاباته بأن شرارة الانتفاضة انطلقت في الساعة السابعة والنصف من صباح يوم السبت 2- اذار 1991 عندما صب الجنود المنسحبون من الكويت وهم بحالة نفسيه سيئة نيرانهم على صورة الدكتاتور صدام المعلقة في ساحة سعد في تقاطع البصرة وبداية شارع الزبير وبيده سكارته وضحكته المعهودة، فالقوا بها على الارض ثم هتفوا بسقوطه متوجهين إلى منطقة الحيانية وتمكنوا هناك من السيطرة على الفرقة الحزبية ومركز الشرطة ثم توجهوا إلى خمسة ميل ومنها إلى المعقل والعشار، وهكذا تمكنموا من السيطرة على مركز مدينة البصرة فسقطت بأيدي المنتفضين، بجميع محلاتها، إضافة إلى الأقضية والنواحي التابعة له

ويشير البعض من المنتفضين في كتاباتهم، أن بداية التهيؤ والتحرك لهذه الانتفاضة البطلة بدأ قبل الأول من آذار في مدينة الناصرية، وكانت حصيلة لتراكمات من القهر والاضطهاد والحروب العبثية التي خاضها صدام وذهب ضحيتها الآلاف من الشباب سواء في حربه مع إيران أو احتلال الكويت ثم خرج منها مندحرا منهزما مستسلما، يرى البعض بأن البداية كانت قبل الأول من آذار في مدينة الناصرية في يوم 27 من شباط في الناصرية حيث تحركت مجموعة من الشباب بينهم رفاق شيوعيون في ناحية الحمار وقاموا بمهاجمة الفرقة الحزبية ومركز الشرطة في الناحية وبدأت المناوشات حتي الصباح، وفي يوم 28 من شباط وبالتحاق جمع من الأهالي مع الثائرين تمكنوا من السيطرة على مركز الشرطة والفرقة الحزبية تم السيطرة على الناحية وتحريرها والاستيلاء على الأسلحة وتوزيعها على الجماهير الثائرة، ثم لحقتها جماهير الفهود في اليوم التالي وقضاء الجبايش من السيطرة على جميع المراكز الحكومية فيها، ثم توجهوا إلى السيطرة على ناحية سيد دخيل وناحية الاصلاح لمناصرة جماهيرها في الثورة في مركز مدينة الناصرية في الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر.

 في اليوم الثاني من آذار بعد سيطرة الجماهير على مدينة الشطرة، تحول تشييع جنازة أحد ابناء الناصرية إلى شرارة فجرت المدينة والسيطرة عليها والانقضاض على مرتزقة النظام، وقد كانت الانتفاضة في الحقيقة حصيلة مبادرات جماهيرية نتيجة تراكم هائل للمعاناة من الدكتاتورية الصدامية، بحيث كانت الانتفاضة حصيلة مبادرات جماهرية سبقت تحرك الاحزاب السياسية.

ولم تختصر الانتفاضة على مدينة الناصرية والبصرة، بل شملت مدينة الديوانية والحلة والنجف وكربلاء وكردستان، ففي غضون أيام امتدت من الجنوب مرورا بالفرات الاوسط إلى منطقة رانية وبقية كردستان، وكانت أوسع حركة جماهيرية يشهدها العراق

واستمرت الانتفاضة بمقاومتها إلى يوم 15 من شهر آذار بين كر وفر.

الهجوم المعاكس للسلطة وسيطرتها على المدن المحررة

 بدأت السلطة بهجوم شامل على مدينة الناصرية بإسناد فعال من الطيران السمتي، وتم لها السيطرة أولا على ناحية الفجر، ثم اندفعت إلى قلعة سكر وناحية النصر وانزلت قواتها المحمولة بناحية أكد، وتعرضت الشطرة إلى قصف جوي كثيف، وقد اندلعت حرب شوارع بين المنتفضين والقوات المهاجمة، ولم تكن القوة والقتال متكافئا، حيث تملك السلطة قوة عسكرية منظمة واسلحة جوية متنوعة واجهزة امنية مختلفة، تمكنت هذه القوى من اخماد الانتفاضة واعادة السيطرة على المدن، وعاد صدام بأبشع ما كان عليه من سيطرته الدكتاتورية.

وهنا لابد من التساؤل لماذا خسر المنتفضون هذه الانتفاضة؟

طرحت آراء مختلفة حول أسباب انهاء الانتفاضة وعدم استمرارها وسيطرتها على السلطة بعد سقوط جنوب وشمال العراق بأيدي المنتفضين. ومن هذه الآراء:

- جبروت وقوت النظام وما يملكه من سلاح واموال قياسا إلى ما يملكه المنتفضون.

- الانتفاضة كانت بشكل عفوي كنتيجة للإرهاب والقمع والسيطرة الدكتاتورية على الشعب والمجتمع.

- قامت الانتفاضة وهي تفتقر إلى قيادة موحدة وخطاب واضح وضعف التنظيم.

- اطفاء الطابع الشيعي عليها في مناطق الجنوب والوسط ورفع شعارات لا تتفق مع الحركة الوطنية التي تعبر عن مطامح الجميع بإقامة عراق موحد.

- غلبت العفوية على تحرك ومسيرة الانتفاضة وعدم التهيئة والتخطيط المسبق لتحركاتها.

- ضعف المساندة الخارجية من الدول المحيطة بالعراق، لا بل بعض الدول العربية أمثال السعودية وغيرها من دول الخليج فضلت بقاء صدام في الحكم على أن لا تأتي سلطه تحمل الفكر الشيعي أو التحرري، ونجاح صدام بتحرك البعض من دول الجوار بأن الآتي دولة شيعيه تحمل شعار لا ولي ألا علي.

- المبالغة بتقدير القوى الذاتية، والاستهانة بقوة الخصم واساليبه المتنوعة من قبل جمهور الانتفاضة.

- الموقف الأمريكي، استغل صدام وضغط عليه وتخويفه من هذه الانتفاضة، بحيث كما جاء في اجتماع المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي في ربيع 1991، التوجه الأمريكي لانتزاع تواقيع صدام على جميع شروط الاستسلام.

 وهكذا انتهت انتفاضة آذار البطلة، من بعدها غادرنا المجرم صدام حسين مع طغمته.

 وأخيرا لربما البعض من القراء عندما يطرح موضوع نظام الحكم السابق اقصد نظام صدام، يردد بأن نظام صدام أفضل من النظام الحالي، نعم النظام الحالي نظام سيئ طائفي حطم العراق وفتت شعبه ولكن لا يعني هذا سوء الحكم الحالي يعطي البراءة لحكم صدام.

الشعب العراق منذ تأسيس الحكومة العراقية في عام 1921 كان يناضل ولايزال من أجل اقامة سلطة وطنية ديمقراطية تسعى

لإقامة العدالة الاجتماعية في هذه المرحلة، ولم يكن هدف القوى الوطنية في نضالها هو المقارنة بين الأنظمة السابقة.

 

عرض مقالات: