الصراع الامريكي الايراني له عدة ابعاد تتعدى ما يظهر به الآن والذي يدور حول امتدادات ايران الاقليمية وبرنامجها النووي المثير للجدل. وان كانت هذه التجليات الساخنة تحظى باهتمام بالغ من قبل الادارة الامريكية ولكن ثمة اهداف ستراتيجية لها ولحلفائها. تدخل ضمن صراع القطبية الدولية، الذي تحرص اطرافه على ابقائه مستتراً، بغية تجنب افتضاح انعكاساته الضارة على  مصالح الشعوب. ان دواعي هذا الصراع ومقارباته مع التناحرات الاستراتيجية. تؤكد ارتباطها باكثر الشئون الاقتصادية الرأسمالية الاحتكارية الدولية اهمية.

             وعبر ما نوهنا عنه يمكن التعريج نحو "الترويكة الشرقية " اذا ما جاز لنا تسميتها. المتمثلة في الصين، وروسيا، وايران، والتي تواجه حلف " الناتو "    بصراع محتدم حول الهيمنة الاقتصادية والنفوذ. ثم يأتي الامر الاخر الذي لايقل اهمية في هذا الشأن المتمثل بمشروع { طريق الحرير الاستراتيجي }، والذي يعتبر لدى الادارة الامريكية " اس " المواجهة مع الصين وايران ومن ثم ياتي المشروع النووي والتوسع الايرانيين. كونه ينطوي على منهج اقتصادي استراتيجي ينطلق من قلب الصين ويخترق اوربا الغربية. وتنخرط فيه اكثر من ستين دولة شرقية وغربية. فضلاً عن انه يختصر عامل الزمن بالنسبة للتجارة الدولة ويجنبها قرصنة وابتزاز قوى الاحتكارات الرأسمالية الغربية.

             اذن..  هذا هو بيت القصيد في المماحكات المشتدة بين واشنطن وطهران والتي تمثل احدى تجليات المواجهات القطبية الجديدة. بعد ان انفردت الولايات المتحدة الامريكة بـ " الاحادية " في هذه الهيمنة الدولية. التي حصلت على اثر غياب الاتحاد السوفيتي وانتهاء " حلف وارشو ".. هنالك سؤال اعتراضي  نتوقعه عن ما هو السبب الذي يضع ملف المشروع النووي والامتداد الاقليمي الايرانيين في صدارة المواجهة الدائرة الحامية راهناً قبل غيره..؟.

     مما لا شك فيه ان عدم اعطاء الاولوية لهذا الملف ومعالجته في الوقت الملائم، سيصب في تعظيم القدرات الايرانية وجعلها تمتلك الفاعلية النووية المطلوبة. الامر الذي يوفر اريحية لتصدير ليس تجارة ايران فحسب، بل تصدير" ثورتها " التي في مقدمتها { رمي اسرائيل في البحر } .. وبهذا تحديداً يقفز تسارع الهمم لكي يتربع الملف النووي الايراني وانعكاساته الاقليمية على صدارة سلم اهتمام حلف "الناتو" .  بخلاف الملفات الاخرى التي تحتمل الابقاء في المربع الثانوي، ولكنها ليست في خانة  التأجيل نظراً لاهميتها البالغة.

             لقد وجدت ايران ظهيراً قوياً لها استندت عليه، المتمثل في روسيا والصين  مما يعطب فتيل قلق واشنطن. لذا وضعت الادارة الامريكية في صدارة حساباتها ضرورة تفكيك روابط ايران مع حلفائها بغية الوصول الى مرحلة تحيّدها قدر الامكان. غير انها تبدو عاجزة عن استخدام القوة لتحقيق هدفها هذا. فلجأت الى العقوبات التي لا تتمكن من جني ثمارها الا بعد امد غير قليل، وهذا له تبعات ليست في صالح الولايات المتحدة الامريكية حيث يوفر فرصة لايران كما اسلفنا القول، بغية عدم التحفظ بتطوير قدراتها النووية.

جاء الرئيس الامريكي الجديد " بايدن " على هذه الخلفيات العصيّة. فحاول كما يبدو بخطواته الاولى، اتباع سياسة الجزرة، وليست سياسة العصا المعتادة . تبين ذلك باخراج " الحوثيين " في اليمن من لائحة الارهاب الدولي، كما مدد تزويد العراق بالغاز الايراني و دعا طهران الى الاجتماع حول ما يتعلق بـ " الملف النووي "وكذلك  التمدد  الايراني في بلدان الشرق الاوسط وغيرها.واخيراً بات واضحاً التلكؤ في الرد على مهاجمة قاعدة الحرير ومطار اربيل صاروخياً.

     جرى ذلك التراخي بل التهاون في سياسة " بايدن " املاً في التاثيرعلى موقف طهران. وحقيقة الامر كان تصرف الادارة الامريكية لم يساو شيئاً في رؤية ايران، حيال مطالبها القاضية بالغاء كافة العقوبات المفروضة عليها. واهمها بيع النفط واطلاق اموالها المحجوزة لدى البنوك الامريكية. زد عليه عدم التصدي لامتداداتها الاقليمية. الا ان " الرئيس " لم يتلامس مع الامر بمستوى خطورة ما يحصل في ساحة الصراع ذات الاهمية البالغة. وهنا يتجلى بكل وضوح تجاهل واهمال المصالح العراقية.

             ان مجريات الاحداث مقرونة بنمط التلكؤ غير المسبوق في سياسة واشنطن الخارجية في الشرق الاوسط على وجه التحديد. هذا وناهيك عن شراهة وتوغل ايران بالهيمنة على العراق، . مما يصعد مناسيب الخشية على مصير البلد، كما يسخن هاجساً شديد الوقع على الشعب العراقي فضلاً عن ان ثمة جملة مؤشرات اخرى تخلق قناعة بامكانية ارخاص المصالح العراقية من قبل طرفي الصراع، بمعنى جعل العراق قرباناً للمصالحة الايرانية الامريكية.. سنرى غداً والغد لناظره قريب.

      

عرض مقالات: