من البديهيات ان يتحتم على الذين يرومون خوض معركة انتخابية القيام بشحذ اسلحتهم. وينبغي الاستعداد لها استراتيجياً. بمعنى التوجه اولاً الى توازن تعظيم قواهم المحركة والقائدة، ورفعها بمستوى المهمة، وينبغي ان يُصب جل جهدهم على اتساع ارقام اصواتهم على وجه التعين، لكونها الفاعل الاول والاساس للفوز.وتعتبر اهم ضلع من اركان خوض المعركة التي تتكون منها ومن البرنامج والقانون والامن والدعاية الانتخابية. وليس هذا فحسب. انما عند انتهاء العملية الانتخابية ويأخذ الفائز مكانه في البرلمان، عليه ان يقوم في ذات الوقت بالتحضير الى الدورة اللاحقة. اي بعد اربع سنوات او حتى ما يليها. تحوطاً من تقلبات الاوضاع. هذا وناهيك عن ما يصاحب مجريات العملية الانتخابية من اجراءات لا قانونية وغير نزيهة او تزوير او مال سياسي فاسد او سواهم من المحرمات التي تقتضي بالضرورة ان يتم  ترصين كافة الوسائل الانتخابية.

             يمكن القول ان سؤالاً قد اصبح ملحاً حول اهمية واولوية القوى التصويتية على البرنامج الانتخابي وكذلك على الدعاية الانتخابية ايضاً. مع ان هذه الاخيرة " الدعاية " اكثر ما تستحوذ على الاهتمام وصرف المبالغ ظناً من البعض بانها هي التي تجلب الناخبين. نعم هذا يمكن ان يكون في الوضع الطبيعي الذي يتوفر فيه عالي الوعي والممارس الانتخابية، وتوفير الظرف الآمن للناخب. غير ان عراق اليوم حديث في منظومة الانتخابات، ومتخم بضعف الوعي الثقافي وتدني الاستقرار السياسي والامني. زد على ذلك ثقل حمم التجربة التي تراكمت وامتدت الى ثمانية عشر عاماً، وقد مضت فاشلة فاسدة.. غدت فيها الناس لا تتلمس املاً في الانتخابات، وقد تجلت بالمقاطعة 80% من الناخبين مؤخراً. وفي ذات السياق بات لا ينفع افضل البرامج او اصرخ اصوات الدعاية في كسب رضا وقناعة الناس. وما يزيد الطين بلة هو غياب الواجبات الحصرية للسلطة الرسمية المتمثلة بالقانون الانتخابي العادل والقانون الامني الحازم. وهذا ما ينقلنا الى السؤال: لماذا القوى المتنفذة تحتفظ بقواها التصوتية ؟ .

         لذا  من موجبات الاجابة، الكشف عن الحقيقة غير المرئية الى حد ما. وهي ان الذين تم تعينهم بالوظائف بعد سقوط النظام السابق يقدر عددهم باربعة ملايين موظفاً، في مختلف دوائر الدولة عسكرية و مدنية.. فكم من هؤلاء قد تعينوا ، من خلال المحسوبية او الرشى ودون اية مؤهلات تذكر؟ . طبعاً " معظمهم " وما زال نمط هذا التعيين جارياً. هؤلاء صار لديهم شعور بالخشية من ازحة الكتل المتنفذة، الذي سيؤدي الى فصلهم عن الوظيفة كما يظنون، لان تعيينهم كان غير اصولي او قانوني، وربما تتم مقاضاتهم. وعليه تحولوا الى قوى تصويتية ابدية لهذه الكتل، بل وعديد لتظاهرات ايضاً، اذا ما طُلب منهم النزول الى الشارع.

             اذاً ما العمل..؟ لدى الناس تجربة افرزها حراك الشارع المنتفض منذ عام 2011 والتي تتوجت في انتفاضة تشرين 2019 التي اسقطت حكومة السفاح " عبد المهدي" وفرضت بعض المطالب وان جاءت منقوصة.. عليه سوف تبقى نهضة الشارع هي التي سيتمخض عنها التغيير المطلوب لانقاذ البلد من الضياع المحتمل.. هذا اذا ما احسن توحيد القوى المنتفضة، والتعبير عن هموم الجماهير وبخاصة المعيشة الكريمة، التي تقتضي القضاء على الفساد وبناء الاقتصاد الوطني وحمايته من التعويق والغزو التجاري الاجنبي، وكذلك تعزيز الحميّة الوطنية الخالصة، التي لابد من ان تتجلى في صيانة القرار السيادي العراقي، واقامة الحياة المدنية الديمقراطية المُعمدة بالعدالة الاجتماعية وبروح المواطنة الشاملة. ودون ذلك تبقى مقتضيات خوض الانتخابات النزيهة خارج التغطية.

            

عرض مقالات: