مرت ما سميت بـ "العملية السياسية " باكثر من مرحلة. وكل منها قد اعقبته اخرى أكثر خراباً وانحطاطا وفسادأ وتزويراً من سابقاتها. وما زال البعض يعلق آمالاً على اتمامها بنزاهة !!. فلا يبتعد ذلك عن كونه اضغاث احلام. ففي ظل المليشيات والسلاح المنفلت ستُنتهك الديقراطية قطعاً، ويسود تزوير نتائج الانتخابات حتماً. والتجارب عديدة لدينا. فضلاً عن انعدام أمن الناخب قبل المرشح. إن الراهن  السياسي العراقي متهالك الى حد لفظ الانفاس الاخيرة. وبات مرهوناً بحبال الفساد الشامل والفشل القاتل، واباحة اغتيالات كواتم الصوت، دون اي رادع قانوني. وقد غدا تشيع الضحايا يوازي دفن الديمقراطية دون توقف.  ومن المعروف في سِفر الشعوب حينما تصل الامور لديها الى حتمية الموت وضياع سيادة البلد، تثور القوى الوطنية وايقاف الذهاب نحو الكارثة الساحقة. ان شعبنا العراقي لا يقل ثورية عن سواه واذا ما كانت الشعوب  تثور مرة واحدة وتغيير الانظمة. ففي العراق خلال هذه المرحلة ثارت قواه الحية مرتين، ولم تتمكن من ايقاف الخراب. مرة قاطعت فيها الانتخابات الاخيرة 80% من نسبة الناخبين وهي ثورة ناعمة، والمرة الثانية نزلت الى الشوارع بصدور عارية وقدمت ضحايا فاقت التصور وكانت ثورة سلمية إلا أنها ساخنة. استشهد فيها  700 شاباً وخمسة وعشرون ألف جريحاً.

 لنتخيل بعقل شخص { بطران } ونستقل طائرة افتراضاً، لكي نشاهد من الأعلى ساحات الحراك الجماهيري. فهل نجد فيها غير بقاء اسباب الانتفاضة ؟. بل وقد تكرست وزادتها احتقاناً الاجراءات الاقتصادية الظالمة الاخيرة من قبل الحكومة، التي جاءت بها ثورة تشرين ذاتها. كما نجد أيضاً بعض منتفضي الحراك، في حالة اعادة حساباتهم. ولكنهم لم يخرجوا عن متاريسهم السياسية السابقة، والتمسك بمضامين دفاترهم العتيقة للاسف. التي كرست حالة التشتت مما ادى للمضي بالانتفاضة جسماً بلا رأس استراتيجي التفكير، يضع خطاه التاكتيكية في خدمة الوصول الى الاهداف المنشودة. عذراً.. ربما أرادوا التماثل مع ماسمي بـ " ثورات الربيع العربي" التي سرعان ما اختطفت من غير قواها الطبقية الثائرة. هذا وناهيك عن غياب  العمل بـ" نظرية الاحتمالات" السلبية والايجابية. وفي اقل تقدير رسم تصور يعنى  ببدائل لوسائل النضال لمواجهة " مشتتات الحال " على حد تعبير الشاعر المناضل الرحل { عريان السيد خلف }.

 وعودة على بدء لنبقى في غمار { سالفة  الانتخابات} بعد ما اتضحت امامنا اللوحة. ففي دفتها الاولى التي عُول عليها ان تمارس فيها الديمقراطية بنزاهة وشفافية فلم نلمس اي حيّز يبشر او يبعث الأمل في النفوس، وذلك من جانب الماسكين بالسلطة والنفوذ، والذين غدوا اشرس من الذئاب المسعورة للدفاع عن قلاعهم المالية المتكونة من السحت الحرام،  ومواقعهم السلطوية المدعومة اقليمياً. وفي الدفة الثانية نجد الزاحفين نحو العدالة والحرية متسمرين أمام مجهول، كما يبدو، لكونهم لم يغادروا متاريسهم المكشوفة غير الواقية من قصف أحابيل ودسائس الخصوم، خلاصة القول فلا قوى السلطة تؤمن بالديمقراطية والقيام بالممارسة النزيهة في تطبيقها، ولا الجموع المنتفضة صارت تؤمن بالنهوض الموحد شكلاً ومضموناً بغية ازاحة الطغمة الحاكمة لحد الآن. وفي نهاية المطاف يصار إلى إقامة العدالة الاجتماعية وارساء نظام المواطنة.. واذا مابقيت الامورعلى هذه الحال فالانتخابات النزيهة في العراق تصبح غاية لن تدرك.

عرض مقالات: