لا تزال المناوشات بين الجيش السوداني ومجموعات “ الشفتة” الاثيوبية متواصلة على الحدود بين البلدين. ورغم ان الجيش السوداني استطاع ان يجلي اعدادا كبيرة منهم عن مناطق “الفشقة الصغرى” و”الفشقة الكبرى” فان الحشود العسكرية تزداد مع الايام، بعد ان رشحت انباء عن نشر الجيش الاثيوبي اعدادا كبيرة من قواته على الحدود.

وفي تظاهرة وصفت بانها اكبر عملية انتشار للدروع في تاريخ المؤسسة العسكرية السودانية، قامت القوات المسلحة بارسال اعداد كبيرة من الدبابات الى الجبهة الشرقية، فيما صرحت الحكومة الاثيوبية بان النزاع بينها وبين السودان تسعّره دولة اخرى تقف ضد مشروع سد النهضة، الذي اثير حوله الكثير من الجدل بين دول حوض النيل الثلاث.

وكانت قد سبقت هذه الخطوة مناورات مشتركة لسلاحي الجو المصري والسوداني شمالي البلاد، سميت نسور النيل. وردت عليها الخارجية الاثيوبية قائلةً ان المناورات لا تخيفها.

ورغم وجود تسريبات تفيد بمساندة الجيش الاثيوبي لعصابات “الشفتة”، الا ان الموقف الاثيوبي الرسمي ما زال حتى الان الاعتراف بسودانية الاراضي المتنازع عليها، وهو يصف من يسيطرون عليها بالجماعات المنفلتة والخارجة على القانون، ما يعني ان الامر لم يتطور بعد الى نزاع بين الدولتين. الا ان اتساع دائرة العمليات الحربية وتزايد ظاهرة العسكرة تثير المخاوف المشروعة من احتمال ان يتطور الوضع الى حرب اقليمية قد تشمل اطرافاً اخرى، لأسباب تتعلق بتطورات الاوضاع السياسية في البلدين. ففي اثيوبيا تشير الحرب الاخيرة في اقليم التغراي الى ان التحالف الفيدرالي الذي اطاح بسيطرة الاثنية المهيمنة في الماضي واسس الدولة الحالية، يواجه هزات عنيفة.

  ثم ان المكون العسكري الحاكم في السودان يحتاج الى مشروع عسكري يقدمه في حلبة السياسة، حيث بات الجيش يوشك ان يفقد السيطرة على الاوضاع بسبب الضغوط الخارجية، التي قد تتزايد حدتها مع وصول الرئيس الامريكي الجديد الى البيت الابيض. خاصة وان بوادر ذلك ظهرت عبر قرارات الكونغرس الامريكي الاخيرة، التي تطالب بالحد من تحكم العسكريين في الاقتصاد السوداني، ووضع الشركات التابعة للقوات النظامية تحت تصرف وزارة المالية.

وقد اشارت قيادات عسكرية في بعض المناسبات الى استهداف خارجي تتعرض له القوات المسلحة وتستخدم فيه ايدي داخلية. وهناك التمليح للمكون المدني، الذي تحذر الادارة الامريكية عبر مؤسساتها المختلفة العسكريين في الخرطوم من وضع العراقيل امامه او تعطيل مهام الفترة الانتقالية، رابطة منح مساعداتها باستكمال مدنية السلطة. ويحدث هذا في وقت لا يستطيع فيه الحلفاء العسكريون الاقليميون تقديم المساعدة، نظرا لما يواجهون من ظروف اصعب ناجمة عن فتح ملفات عديدة، وقد يكون ثمن الصمت الامريكي رفع يدهم عن السودان.

والواضح امام العسكريين ان المجتمع الدولي ممثلاً بالاتحاد الاوربي والادارة الديمقراطية الجديدة في واشنطن، يميل نحو المدنيين وسوف يمارس علي العسكريين ضغوطاً عديدة تطال سيطرتهم على الاوضاع في السودان، الذي استباحوه منذ الاستقلال وظلوا يتحكمون في ادارته بفضل الدعم الدولي والاقليمي، وهم الان يواجهون ظروفاً لم يعتادوا عليها من قبل. ويبقى السؤال: هل يتخلى الجيش عن السلطة التي ظل بفضلها يستحوذ على 70 في المائة من موارد البلاد، حتى اخر ميزانية للعام 2021 تعرض حاليا امام مجلس الوزراء؟

لهذاً فالحديث عن استهداف الجيش باعتباره رمز سيادة البلاد وعزتها وكرامتها، يقصد به حماية الامتيازات التاريخية للمؤسسة العسكرية من خلال الجمع بين السلطتين السياسية والعسكرية. وهو وضع سيهتز اكثر بعد وصول البعثة الاممية المسنودة من ادارات الدول المتحكمة في القرارات الدولية، والتي تملك القدرة على خنق الحكومات حتى الموت.

وفي هذا الظرف يواجه المكون العسكري سخطاً شعبياً. ويحمّله السياسيون والمنظمات السياسية والمدنية مسؤولية فشل الفترة الانتقالية، نظرا لاستحواذه على ادوات السلطة وسيطرته على مفاصل الدولة واستحلابه مواردها.  كما انه يتحمل مسؤولية معظم الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب في حق الثوار. لهذا يطالبون بمحاكمة قادته محلياً او تسليمهم الى العدالة الدولية.

 ومن هنا تفكيرهم في تنظيم عرض عضلات عسكري، يحققون من خلاله مكاسب سياسية عبر مخاطبة عواطف الجماهير وتصوير الصراع وكأنه استهداف لرمز البلاد.  تساندهم في ذلك مجموعات ابعدت عن السلطة وتواجه سخط الجماهير، وتراهن على العودة الى السلطة بقوة البندقية. معتقدة ان الجيش سوف يحملها الى القمم التي سقطت منها، ان هي ساندته في احواله الصعبة الراهنة.