يكاد ان يكون الوضع العام والخاص في العراق مأساويا عبارة عن مسلسل من الكوارث المتلاحقة التي ساهمت في التدهور الذي نشهده ونلمسه في المجلات السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية ...الخ، ففي السياسية نجد إن ما وصل اليه الحال من تفكك وتطاحن نتيجة نهج المحاصصة والقوى المتنفذة الطائفية التي قبضت على مقاليد السلطة وسمحت لنفسها أن تساهم في خلق بؤر من التكتلات المتطاحنة غير المتفقة  إلا على طريق وحيد وهو الفساد المالي والإداري، اما كوارث الاقتصاد والحياة المعيشية، لن نعددها فهي كثيرة ونكتفي في ما جاء في افتتاحية جريدة طريق الشعب حول الإجراءات الأخيرة  التي اتخذت والاثار السلبية التي نتجت عنها من ارتفاع الأسعار وتخفيض سعر الدينار العراقي والاستقطاعات في الرواتب وزيادة الضرائب والمتقاعدين وغيرها من القضايا التي مست حياة المواطنين وقد اكدت الافتتاحية في  "المحصلة إن هذه الاجراءات التي اتخذت، أو في طريقها عند إقرار الموازنة العامة لسنة 2021 لن تزيد الأمور إلا سوءاً وتعقيداً، وهي ليست ما يتوقعه المواطن وينتظره، الأمر الذي يوجب مواصلة الضغط، كي لا تمر مثل هذه الخطوات المتعجلة وذات التداعيات غير المدروسة على مختلف الصعد، خاصة منها ما يمس المواطن ومعيشته، واقتصاد البلد وتطوره" وتناولت الافتتاحية بحق ما جرى ويجرى في الوضع العراقي الخاص والعام،  وأمام هذه الظروف فأن الوضع الأمني اصبح في كف عفريت ونحن نعيش التدخلات الخارجية الملموسة التي تدفع الأوضاع لجعل العراق ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإيرانية ويساهم استهتار الميليشيات المسلحة التابعة في التعقيد حيث تتحرك وكأنها السلطة الحقيقية، تعتقل وتخطف وتغتال وتطلق الصواريخ على الهيئات الدبلوماسية وبخاصة السفارة الامريكية والمناطق السكنية بدون أي رادع او موقف مضاد يطبق بحقها القانون ويمنعها من تجاوزاتها ويلزمها احترام وعدم خرق القوانين المحلية والقوانين الدولية، ولم يسلم الوضع الداخلي من التدخلات الخارجية والعبث بمقدرات الدولة وخير مثال تفاجأ الكثير من العراقيين على زيارة الأخ الكبير!! قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العميد إسماعيل قاآني للعاصمة بغداد في 24 / كانون الأول / 2020 واثناء الزيارة التقى العميد بكبار المسؤولين العراقيين بالتبعية، الخبر لم تذكره وسائل الاعلام العراقية بشكل مفصل بل  جاء  عن وكالة أنباء فارس الإيرانية وهدف الزيارة حسبما ذكرته قناة العالم الإيرانية ( كلها إيرانية ) أن "قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني  بحث خلال لقاءاته سبل تطوير التعاون الثنائي بين ايران والعراق (".على أساس لا يوجد تعاون ثنائي ولا تنسيقي ولا يومياً تدخل اكثر من 1000 شاحنة بضائع إيرانية ولن نتحدث عن الجودة والتالف منها!!)، ويبدو أن هناك جدولة حسب تصريحات إيرانية، اما العراقية فساكتة، والتصريحات الإيرانية تهدف من هذا التأكيد " الجدولة" ابعاد التهمة التي وجهت اليها من قبل الإدارة الأمريكية وعلى رأسها رئيس الولايات المتحدة الامريكية وهذا ما ظهر من تصريحات ايرج مسجدي السفير الإيراني في العراق  الذي برر من خلالها زيارة قائد فيلق القدس فقال " "العميد إسماعيل قاآني "باعتباره رئيساً او قائداً سياسياً رفيعاً" التقى خلال زيارته برئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وباقي المسؤولين العراقيين"ولم يكتف مسجدي بهذا فقد حاول تبرئة ايران من حادثة الصواريخ التي اطلقت على السفارة الامريكية مؤخراً مع العلم ان الفصائل المسلحة العراقية التابعة لإيران الظاهرة غير المستترة وقدرها ( 8 ) ميليشيات في العراق هي المتهمة في هذه الحادثة وصواريخ أخرى وحتى الاغتيالات، كما كانت التصريحات تحمل البعض من ملامح التدخل الإيراني في الشأن الداخلي وحسب تصريح مسجدي إن  "التحركات الإيرانية في العراق تأتي في إطار تقوية الحكومة وتشجيع الكتل والتيارات السياسية على التوحد". لا نفهم ماذا يعني " تقوية الدولة!!" وما شأنهم بالدولة العراقية وهم لديهم دولتهم الإيرانية، أو ان يقوم قائد عسكري بمهمات سياسية ولقاءات بأعلى المستويات العراقية رئيس الجمهوري ورئيس الوزراء ومسؤولين كبار لكي يساهم "في إطار تقوية الحكومة وتشجيع الكتل السياسية على التوحيد" هل هذه مهمة من مهمات القائد العسكري؟ وهل يقبل النظام الإيراني أو يسمح للمجاملة فحسب أن يقوم قائد عسكري عراقي بزيارة إيران ويلتقي بخامنئي والرئيس روحاني وبغيرهم ويتكفل بمثل مهمة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، كيف تسمح الحكومة والدولة العراقية وعلى رأسها رئيس الجمهورية والسيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي؟ على كرامتها واستقلالها ان يقوم قائد عسكري إيراني ومتى يرغب الدخول الى البلاد ويناقش الكتل السياسية حول الشؤون الداخلية العراقية، وتكون زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني حسبما يشاء ويرغب كما كان سلفه سليماني أيضاً (قبل أن يقتل) متى يشاء ويرغب! أن يزور قادماً بسيارة او طائرة أو أي شيء،  فقد زار إسماعيل قاآني العراق بشكل سري وهي الزيارة الثانية يوم الخميس 24 / 12 / 2020 وقيل عن الزيارة الثانية انه يحاول تهدئة الأوضاع وإبعاد إيران عن حوادث الصواريخ التي تطلق من قبل ميليشيات متهمة بتبعيتها، واعتبرت العديد من الأوساط السياسية الداخلية والعربية والدولية إن اطلاق الصواريخ " الفاشوشية " التي تُسَقَطْها السفارة  والقسم منها على رؤوس المواطنين والمجمعات السكنية والاقل الأقل منها على البعض  من المباني السفارة الامريكية عبارة على زيادة الاحتقان لتصفية الحسابات بين أمريكا وايران على الساحة العراقية، التهديدات الامريكية تختلف عن تهديدات "من حقنا الرد في الزمان والمكان" ، لقد خبرنا التهديدات الامريكية الغاشمة والتي من نتائجها احتلال العراق وما حدث في أفغانستان ضد الحكومة الشرعية لنجيب وما يحدث لسوريا ونستطيع أن نعدد التهديدات الامريكية التي نفذت بدون الزمان والمكان، والآن هذا هو واقع الحال وحذرنا الحكام الإيرانيين الف الف مرة ان يكفوا عن التدخل في شؤون الدول الأخرى وعدم تصدير السلاح والثورة بالمفهوم الإيراني والسعي للحصول على السلاح النووي وان يفكروا بمصالح الشعب الإيراني المغلوب على أمره الذي يعيش الأمرين من القهر والبطش وتغييب الحقوق ،الجوع والبطالة والفقر بشكل واسع  لكن ذلك كان في وادي وما تقوم به الحكومة الإيرانية  في وادي آخر ولا يقل غباء وعنجهية عن أردوغان والحكومة التركية التي تتدخل ايضاً في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى. التهديدات الإيرانية وتصدير السلاح بما فيها البرنامج النووي هما السبب الرئيسي في عدم استقرار الأوضاع في المنطقة وهي حجة  تتركز عليها الولايات المتحدة الامريكية وغيرها في التدخل العسكري في الدول المحيطة وتحشيد الجيوش في المياه الدولية والإقليمية، قد يفهم اننا ضد الزيارات الدبلوماسية لتطوير العلاقات الثنائية في مجالات كثيرة وعديدة منها الواردات والصادرات والمنافع الأخرى التي تدر على الشعبين فوائد جمة نقول لا إننا مع العلاقات الطبيعية المبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل ، لكن أن تكون الزيارات عبارة عن تدخل مفضوح فهو مرفوض ويجب الوقوف بالضد منه وليس استقباله من قبل المسؤولين العراقيين الكبار، وإلا كيف يمكن أن يفسر أن عميد عسكري يقدم ويلتقي برئيس الدولة ورئيس الحكومة هكذا لأنه يريد مساعدة الحكومة وتقريب وجهات النظر بين الكتل السياسية العراقية والعجيب أن تذكر الصحف الإيرانية أهداف زيارة العميد العسكري بينما يذكر الخبر بخجل في الاعلام العراقي، إن الزيارة الثانية خلال اقل من شهر واحد الخميس 24 / كانون الأول / 2020 لإسماعيل قاآني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري ما هو إلا دليل على أن أرض العراق "خانجغان " لكل من هب ودب وبخاصة أنه جاء لمحاولة " التهدئة" والتنصل من مسؤولية قصف السفارة الامريكية خوفاً من هجوم عسكري أمريكي مفاجئ، حتى البرتوكولات في العلاقات الدولية ان رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة مؤهلان لاستقبال متكافئ بين المراكز ومسؤوليات الدولة الأخرى، لكنه التدخل غير المستور والفاضح لزيارات قائد فيلق القدس، ان ترامب الأمريكي أتهم بشكل مباشر قائلاً " : "الصواريخ جاءت من إيران ونحن نسمع أحاديث عن هجمات أخرى على الأميركيين في العراق"، مضيفاً "نصيحة ودية لإيران إذا قُتل أميركي واحد فسوف أحمل إيران المسؤولية. عليكم أن تفكروا في الأمر". مما جعل محمد جواد ظريف أن يقوم بنفي اتهام ترامب لإيران عن حادثة السفارة، هذا التنصل يُظهر الخطر المحدق الذي يحيط بإيران من جهة والدول والشعوب في المنطقة من جهة ثانية. إن تكثيف العمل لمنع المتورطين من الميليشيات المسلحة التابعة بأطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء والهيئات الدبلوماسية وعلى المنازل السكنية للمواطنين وتقديمهم للعدالة سيدفع شبح الحرب عن الساحة العراقية ويمنع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية، ان تصريح علي الغانمي عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية "السفارة الأمريكية مؤسسة دبلوماسية كبيرة، وما يشاع حول أنها تمثل مجلس قرار القيادة الأمريكية غير صحيح". ان ذلك يدل على ان مطلقي الصواريخ معروفين حق المعرفة خطورة الموضوع لكنهم ينفذون التوجهات الخارجية المرتبطين بها ولا يهمهم ما سيلحق من أضرار جسيمة تلحق بالعراق وبالمواطنين العراقيين.

 

عرض مقالات: