الصراع من أجل الأرض مستمر منذ أكثر من ستة عقود

في العاشر من كانون الأول، قبل ثلاثة أيام من التصويت الانتخابي في الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي د. ترامب الاعتراف بسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية. وكان القرار غير متوقع، بل ويتعارض مع السياسة التي تبنتها الولايات المتحدة حول هذه القضية في العقود الماضية.

بعد ذلك مباشرة، وفي اتصال مباشر بهذا، تم الإعلان عن اعتراف المملكة المغربية بدولة إسرائيل. وبذلك أصبح المغرب البلد السادس في العالم العربي الذي يعترف بالدولة الصهيونية. وإذا ما حدثت الاعترافات الأولى منذ وقت طويل (على سبيل المثال، تم الاعتراف بإسرائيل من قبل مصر عام 1979) ، فإن الاعترافات الثلاثة الأخيرة - الإمارات والسودان والمغرب – أعلنت  في عام 2020. بالمناسبة، وفي ظل هذه التطورات استبعدت الولايات المتحدة للتو السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب الدولي.

نشأت مشكلة الصحراء الغربية منذ أوائل الستينيات عندما لم يتم إنهاء السيطرة الإستعمارية على هذه المنطقة بسبب مطالبات المغرب وموريتانيا. بالإضافة إلى أراضيها الشاسعة (حوالي 270 ألف كيلومتر مربع) ، فإن الصحراء الغربية هي أيضاً تضمن في مكامنها رواسب كبيرة من الفوسفوريت وخامات الحديد وموارد بحرية غنية جراء ساحلها الكبير جداً.

لعدة عقود، خضعت الصحراء الغربية لسيطرة الولايات المتحدة. على سبيل المثال، في الأعوام الممتدة بين 1997-2004، كان وزير خارجية الولايات المتحدة السابق جيه بيكر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية. وكان للأمريكيين قبضة قوية على نبض الحياة في الصحراء الغربية.

لقد أعلن بولتون، الذي شغل منصب مساعد الأمن القومي  في عهد ترامب ، إن بايدن سيتعين عليه سحب قرار الإدارة الحالية. وقال جيه بيكر بصراحة إن الإدارة الجديدة ستفعل ذلك بالتأكيد.

لقد اتخذ دي ترامب عموماً في الأسابيع الأخيرة، وربما سيتخذ المزيد، عددًا من القرارات التي ستلغيها الإدارة الجديدة. وهكذا، أعلن بايدن بالفعل أنه سيرفع العقوبات الأمريكية المفروضة على قضاة المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك إلغاء انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة تغير المناخ. ومن المحتمل أن الأمر نفسه ينتظر الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

الصراع على هذه الأرض مستمر منذ أكثر من ستة عقود. وتتقدم عملية "وساطة" الأمم المتحدة ببطء شديد. إن التأخير في الاستفتاء على استقلال الصحراء الغربية مفيد للمغرب لأن السلطات المغربية تسيطر بشكل مصطنع الأراضي المحتلة لضمان نتيجة مواتية للاستفتاء. كان آخر قرار لمجلس الأمن الدولي بشأن الصحراء الغربية هو القرار رقم 2548، الذي تم تبنيه في 30 تشرين الأول عام 2020، في إطار مشروع أمريكي. وينص المشروع على تمديد آخر لولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية ودعوة الأطراف المتنازعة لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة. ولم يتم تبني القرار بالإجماع. وعلى الرغم من عدم تصويت أي عضو ضده، وامتنعت دولتان، جنوب إفريقيا وروسيا، عن التصويت.

لقد تم إعداد المسودة الأمريكية سراً، ولم يؤخذ بنظر الاعتبار أي من المقترحات المقدمة من روسيا وأعضاء آخرين في المجلس. بالإضافة إلى ذلك، في السنوات الأخيرة ، بدأت قرارات مجلس الأمن بشأن التمديد الروتيني لولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (هدف البعثة هو ضمان إجراء استفتاء على وضع الإقليم) تنطوي على المزيد والمزيد من "الشوائب". ولذلك، فبدلاً من التمسك بقواعد القانون الدولي، بدأت تظهر في القرارات أطروحات من قبيل "الحاجة إلى الالتزام بمقاربات واقعية، و"دعوات لتقديم حلول وسط" وما شاكل ذلك.

الموقف الرسمي لروسيا فيما يتعلق بالصحراء الغربية هو أن الحل الطويل الأمد والعادل لا يمكن تحقيقه إلا على أساس تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إطار الإجراءات المتناسبة مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة. والطريق إلى ذلك يكمن في استئناف المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو بوساطة الأمم المتحدة. يعود قرار إدارة الرئيس ترامب إلى حد كبير إلى الموقف المبدئي لعضو آخر في مجلس الأمن - جنوب إفريقيا (RSA). إن حكومة جمهورية جنوب إفريقيا، قبل فترة طويلة من انتخابها لمجلس الأمن الدولي، هي في الواقع ممثل حكومة جمهورية الصحراء الغربية لدى الأمم المتحدة، حيث أرسلت رسائل من رئيس الجمهورية الصحراوية الصحراوية إبراهيم غالي إلى جميع هيئاتها الرئيسية. ويدعم العديد من الأحزاب في جنوب إفريقيا موقف حكومتهم، بما في ذلك الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي، الذي أصدر بيانًا شديد اللهجة رداً على الإجراء الأمريكي، وأشار البيان إلى "استمرار القمع الاستعماري لشعب الصحراء الغربية".

وقبل أيام قليلة، بعثت السلطات المغربية برسالة إلى أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تفيد بأنه "لا يوجد قرار واحد من مجلس الأمن يحتوي على هذا النص". وأشار ابراهيم غالي رئيس الجمهورية الديمقراطية الصحراوية منذ عام 2016، إن هذا للتعميم غير معترف به". ورداً على ذلك، أعلنت حكومة جنوب إفريقيا بشكل معقول أن جمهورية الصحراء الديمقراطية هي عضو في الاتحاد الأفريقي، وأن كلا من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ورئيسها معترف بهما من قبل الاتحاد، وأن موقف جمهورية جنوب إفريقيا يعكس تماماً موقف المنظمة القارية، التي يجب أن تسعى لتحقيق مصالحها كعضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

إن موقف جنوب إفريقيا من هذه القضية لا يمكن أن يكون مؤثراً من الناحية القانونية، لكن يجب استكماله سياسياً. إذا كان الاعتراف بالجمهورية الصحراوية قبل عشر سنوات كان مدعوماُ بالأغلبية المطلقة من أعضاء الاتحاد الأفريقي، فقد حدثت زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة في الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي التي تعترف بحقوق المغرب في الصحراء الغربية. في العام الماضي، أصبح المغرب عضوا في الاتحاد الأفريقي لأول مرة، وخلال السنوات الماضية منذ إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963 و منذ 2002، رفض المغرب أن يكون عضوا في الاتحاد بسبب اعترافه باستقلال الصحراء الغربية.

تحتوي رسائل رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ب. غالي إلى الأمم المتحدة على معلومات مهمة لم يتم سماعها سواء في تقارير الأمين العام للأمم المتحدة أو في خطابات أعضاء مجلس الأمن. على سبيل المثال، تشير رسالة ب. غالي الأخيرة إلى تقاعس بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية فيما يتعلق بفتح السلطات المغربية لممر جديد يتم عبره نقل "السكان المدنيين" من المغرب إلى الصحراء الغربية لتغيير التركيب الديموغرافي من أجل التأثير على نتائج الاستفتاء. وعرضت وقائع تدخل قوات البعثة وقمع احتجاجات المواطنين الصحراويين ضد الاحتلال المغربي، في حين أن قمع السلطات المغربية للمواطنين الصحراويين لا يثير أي اهتمام بالبعثة، بالرغم من حدوثها على مقربة أمتار قليلة من بنايتها.

إن قرار ترامب يقوض مبدأ حل مشكلة الصحراء الغربية على أساس القانون الدولي الذي ينص على تحديد الوضع النهائي لهذه المنطقة من خلال استفتاء. في اليوم السابق للتصويت على المسودة الأمريكية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قدمت مجموعة من الدول الأفريقية مشروع قرارها بشأن الصحراء الغربية إلى اللجنة الرابعة (بشأن إنهاء الاستعمار) التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى عكس المشروع الأمريكي، الذي تم طرحه في مجلس الأمن الدولي، فإن المشروع الأفريقي لا يدعو إلى "تنازلات واقعية"، ولكنه ينادي بتقرير المصير لشعب الصحراء الغربية.

* رئيس قسم القانون جامعة "تيسبي" في قازان، جمهورية تاتارستان – روسيا الإتحادية

عرض مقالات: