{ ان حساب الحقل ليس مثل حساب البيدر } . ينطبق هذا القول في السياسة  وكذلك في مختلف مجالات الحياة لكونه مثلاً واقعياً. واذا ما بحثنا عنه في استراتيجية انتفاضة تشرين نجده مركوناً ولم يتم التفاعل معه وفق موازين الاحداث للاسف.. كأن انفجار الحراك قد حصل بفعل عوامل قاهرة رُفعت في سياقها مطالب نابعة من ذات المعاناة الشاملة بغية تحقيق التغيير، ولا زالت قائمة التي من شأنه التطويح بحيتان الفساد وقيام الدولة المدنية العادلة.. وحينما تمكن الثوار المنتفضون من الوصول الى بعض أهدافهم، كان وقع ذلك وتأثيره موجعاً بالطغمة الحاكمة. الأمر الذي خلق رد فعل محتقن حاقد. تمثل بأعمال بربرية عنيفة خلفت ضحايا تعتبر بأقل تقدير انها حرب ابادة.

      ورغم هذه الهجمة الإجرامية المعاكسة تم تحقيق بعض المنجزات ولكنها ظلت تراوح بمنتصف الطريق، لكون مستلزمات حمايتها  وتنظيمها وقيادتها وتواصلها، لم تتوفر كما يتطلبها مكان " البيدر " الذي ينبغي ان تُحرس وتُعزز  بالمعنى الواسع للكلمة. غير أنها استمرت على قاعدة حساب" الحقل ". ظناً  بعزم التغيير ان يكون كفيلاً بجرف الفاسدين الى مزبلة التاريخ دون رجعة دفعة واحدة. مما خدر بعض المنتفضين بفعل " نشوة الانتصار " وتكونت لديهم قناعة بأن الشيء الذي أنجز ليس بحاجة الى حماية وتكثيف مقومات تطوره لاستكمال ما تبقى من المطالب المعلقة.. ومن ثم ظلت كالمال السائب فسرقت باساليب واحابيل وخداع المفسدين المتنفذين.

                 لا نتجنى عندما نشير إلى الالتفاف الذي طال انجازات الانتفاضة. حيث  تولاها التشويه أو تم تعليقها على حبل الظروف الموضوعية والصحية والاقتصادية. او غدت محرّفة بامتياز. واذا ما اريد تفحص حالها التي لم تتخلص من حسابات " الحقل " المتطلعة الى انجازات كاملة. نجدها فيما هي عليه  الآن على خلاف ذلك. أي أنها ما زالت مفعمة برومانسية ثورية. بمعنى أن قناعة البعض تتصور أن الانجازات آمنة بزخم الانتفاضة. وتغيب حقيقة كونها قد تعرضت إلى الهتك والخطف والاغتيال المادي والمعنوي. مما يفرض استحقاقات نهوضه الأقوى والأمضى اصراراً.

   المطلب الاول: كان اسقاط حكومة عبد المهدي وتم ذلك وجيء بحكومة الكاظمي الذي لم يختلف عن توأم روح سلفه.. المطلب الثاني: قانون الانتخابات الذي فُصّل على مقاسات القوى المتنفذة. وبات لا يعدو عن مجرد خديعة، ولا يمثل ارادة المنتفضين.. المطلب الثالث: محاربة الفاسدين الذي للآن لم يقترب أحد من الحيتان الكبيرة انما اخذ بعض صغار الحرامية ككبش فداء.. المطلب الرابع: حصر السلاح بيد الدولة. هذا الذي لا ولم ولن يخطر على بال المسؤولين قطعاً.. لأن ثمن المساس به يعني أن صور من يقدم عليه ستسحق بالاحذية اوتقطع يده، هذا في أقل تقدير. ولسنا بحاجة الى دليل اكثر مما ظهر على شاشات التلفاز بُعيد واقعة" البو عثية " في منطقة الدورة.. المطلب الخامس: وهو الاهم، الانتخابات المبكرة، هذا المربع تجري فيه جهود محمومة لابعاد موعد القيام بعملية الاقتراع إلى أواخر سنة 2021 ما يعني لن يتبقى على موعد انتهاء الدورة البرلمانية الاعتيادي الحالية سوى اربعة او خمسة أشهر، أي في ابريل عام 2022. وربما تلغى ايضاً باية ذريعة كانت.. بفصيح العبارة، لا توجد ما تسمى" انتخابات مبكرة".

            ولم يتوقف الحث على ضبط ايقاع حكومة الكاظمي على ذات منهج القوى المتنفذة. والغرابة قد جسدتها المفارقة التي كشفت من جانب آخر وصول الأمر إلى حد المجاهرة من قبل ذات الأوساط بضرورة إقالة الحكومة ويبدو قد استثمرت حتى ازمة تخفيض سعر الدينار العراقي لغرض الإطاحة بالكاظمي. حيث ستزداد النقمة عليه. ولا تفسير لها غير انها وسيلة ثعلبية مخادعة تهدف أول ما تستهدفه اخضاع هذه الحكومة الى الطاعة المطلقة، كي لا تزل عن الخط الذي رُسم لها. وثاني: و يراد بها قلع جذور آخر انجاز من مطالب المنتفضين الذي تحقق. مع انها حكومة اسم لهيكل مفرّغ من قوة القرار.. كما لابد من عدم نسيان التكالب الذي تجلى مسعوراً في قلع خيام المتظاهرين باشرس الاساليب البربرية مقترنة بالاغتيالات بالاسلحة الكاتمة بوضح النهار، وتحت انظارالقوات الحكومية.. هكذا تمت محاولات قضم انجازات الانتفاضة،الا أن عوامل تفجر الانتفاضة ما زالت قائمة بل وتضاعف اختمارها بفعل الانهيار المالي الاخيرالمولد للانفجار الاقوى .. فهل استوعب المنتفضون الدرس، كي يوحدوا اطرافهم المبعثرة. ببرنامج مُعبر عن ارادة الناس، وبناء قيادة موحدة شجاعة، وتنظيم رصين ..؟؟.    

عرض مقالات: