الندوة الحوارية التي ادارها، مشكوراً، الأستاذ المحامي والوجه البارز في الانتفاضة الشعبية التي توجتها ثورة تشرين الباسلة، حسين الغرابي مع الباحث في علم الاجتماع السياسي الأستاذ عبد الرزاق علي في السادس والعشرين من تشرين الثاني الحالي، زودت المتابعين للثورة ومناصريها بمعلومات بالغة الأهمية وتحليل علمي دقيق ابداه الاستاذ المحاضر حينما تناول طبيعة ثورة تشرين وما يمكن ان تتمخض عنه من انعكاسات على مجمل الساحة السياسية العراقية التي لم تعد كما كانت قبل تشرين وقبل الهبَّة الشبابية الواعدة. وللاستفادة من المعلومات الواردة في هذه الندوة اضع رابطها ادناه لمتابعتها:

https://www.facebook.com/alguorabi/videos/3593865817340401

كما ذكرت اعلاه حول رصانة التحليل للثورة ومعطياتها التي شملت محاور متعددة عالجها الأستاذ المحاضر معالجة جمع فيها بجدارة بين الأكاديمية النظرية والعملية الميدانية التي ينبغي لها ان تلازم هذه الثورة الجديدة على المجتمع العراقي وعلى الساحة السياسية العراقية. ومن المعالجات الهامة التي تناولها الأستاذ الباحث تلك المتعلقة بالعملية التنظيمية التي بدأت تظهر على سوح الثورة المختلفة والتي ادت الى نقاشات جادة حول التفكير بالمسالة التنظيمية التي اصبحت حاجة ملحة في هذه المرحلة من الثورة الشبابية .

ان الذي دعاني حقاً لتناول هذا الموضوع بالذات، التنظيم في صفوف الثورة، امر معالجة الشكل التنظيمي الذي تطرق له الباحث بوصفه له كهيكلية جديدة لا يستنسخ التنظيمات السياسية التقليدية التي انتهت وماتت واشار الى ذلك بمثل الأحزاب السياسية بشكلها التنظيمي القديم الذي قد انتهى ولم يعد له وجود.

اتفق مع الأستاذ المحاضر في بعض طرحه هذا ، مختلفاً معه في البعض الآخر ، خاصة فيما يتعلق بنهاية دور الأحزاب التقليدية تنظيمياً . واعتراضي هذا يربط بين ما انتشر على سوح الثورة من رفض للأحزاب ، او حتى للتنظيم ، وفي نفس الوقت الدعوة لنظام سياسي ديمقراطي ، ووجود المثل السيئ للحزبية والديمقراطية الذي قدمته احزاب الإسلام السياسي وشركاؤها في العملية السياسية الذي اعطى صورة مشوهة للعمل الحزبي وبالتالي للتواجد الحزبي على الساحة السياسية العراقية . فلو تتبعنا حدود هذه المعادلة الثلاثية: الأحزاب او التنظيم عموماً ودورها في بلورة العمل الديمقراطي بالمفهوم الحديث للديمقراطية، والتجربة الفاشلة التي قدمتها احزاب الإسلام السياسي وروادها في العراق والتي وضعت صورة مشوهة للعمل الحزبي بين شباب الثورة ولدى الجمهور العراقي بشكل عام، لتوصلنا الى نتائج ينبغي دراستها بإمعان وترو.

لا يختلف اثنان على تفاقم التطورات التي شهدها العالم في العقود الثلاثة الماضية على الأقل ، وتحديداً بعد انهيار التجربة الاشتراكية في بلدان شرق اوربا والإتحاد السوفييتي سابقاً ، ولا يزال يشهدها حتى يومنا هذا ، والتي توحي لجيلنا الحالي بكثير من الأفكار الجديدة والمفاهيم التي جاءت كحصيلة لهذه التطورات التي لابد لنا الاعتراف بها والتجاوب معها، كظاهرة تؤكد ما تناولته الفلسفة الثورية حول عملية التطور الاجتماعي وتأكيد مقولتها بحتمية التغيير النوعي من خلال التراكم الكمي ، الذي اصبح التراكم الفكري والمعلوماتي جزءً مهماً منه.

انطلاقا من الواقع الذي يعيشه وطننا العراق اليوم، كحصيلة لنظام دكتاتورية البعث وما تبعها من سلطة الاحتلال والنظام السياسي والقوى الحاكمة التي الاحتلال قادته، والذي افرز في كليته حصيلة تطور العمل السياسي على الصعيد الاجتماعي العام، وليس على صعيد التنظيمات الحزبية او تنظيمات المجتمع المدني المختلفة فقط، لا يسعنا إلا التعامل الموضوعي مع هذه المتغيرات المفروضة وتبني انماط عمل قد لا تكون قد وردت الإشارة اليها في المسارات العامة التي سلكتها القوى التي تنشد التغيير في مجتمعاتها. وقد تتبلور معطيات تتبنى مفاهيم جديدة حينما نربط هذه المفاهيم بكثير من الوقائع التي سنشير اليها باختصار في هذا الموضوع المتشعب الذي لابد من مناقشته مناقشة مستفيضة تشكل اساس استيعابه والعمل الميداني بموجبه.

لابد لنا هنا ، وكمدخل للموضوع ، التأكيد على جملة من العوامل التي تشكل حدود معادلة متكاملة لا يمكن التفريط باي حد من حدودها.

يعالج الحد الأول مسألة النشاط السياسي الذي يجب ان يكون مجدياً، لا مجرد التعامل مع شعارات وطروحات صالونية المنشأ بعيدة عن الارتباط مع التفاعل الجماهيري العام والمؤثر في نفس الوقت

وحينما يكون النشاط السياسي جماهيرياً ومؤثراً، فلابد له ان يرتبط بالواقع المعاش الذي تعاني منه الجماهير يومياً. إلا ان هذا الواقع المعاش يتطلب، إضافة الى الاحتكاك المباشر به وبكل مقوماته، ربط اسسه السياسية والاقتصادية والثقافية مع بعضها البعض للخروج بمحصلة تشير إلى وجهة الصراع السياسي والاجتماعي، بحيث يصبح تغيير الواقع المعاش او تطويره هدفاً لهذا التوجه. وفي هذه الحالة لا يمكننا الاستغناء عن مشاركة المعنيين الأساسيين والمستفيدين من نتائج التغيير والتطور والذين يعون ماهيته، وهي الفئات الشعبية التي تتعامل مع كل مفردات الوضع السياسي القائم بكل تبعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتؤثر او تتأثر فيه.

السؤال الذي تطرحه هذه الحدود يتمحور حول مدى تمتع الفئات المعنية بالتغيير والتطور، بالوعي الكافي لمقومات هذا الواقع وكل ما ينتج عنه من تراجع في طبيعة حياتها اليومية، بحيث يستحضر هذا الوعي القناعة بالتغيير والنزوع الى المجتمع الأفضل؟

هذه المنطلقات التي تشكل البوصلة الأساسية للعمل الجماهيري المجدي تلزمنا ، كملتزمين بالفكر الفلسفي الثوري ، ان نرى مجالات نشاطنا بكل ما تحتويه من ارتباط او تنسيق او اي شكل من اشكال العمل مع القوى الأخرى ، غير بعيدة عن التواجد الفعلي الذاتي والموضوعي للمعنيين الأساسيين بالتغيير وتبعاته. فكيف يتم هذا العمل وما هي شروطه ؟

لو نظرنا إلى الواقع الذي تعيشه المجتمعات التي ننظر إلى تجربتها بإعجاب، بالرغم من تناقضاتنا الفكرية مع انظمتها الاقتصادية الرأسمالية التي اتسمت بالاستغلال والجشع، فلا يمكننا ان نغفل العوامل الكثيرة، إلى جانب العامل الاقتصادي، التي اثرت في صيرورتها وبرمجت مسارها نحو المجتمع الذي هي عليه الآن والذي يرسم معالم تطور مستقبلي لا يتوقف. ولا تقتصر هذه العوامل، التي ينبغي مناقشتها بشكل مفصل، على الجوانب الفلسفية لتراث بعض هذه المجتمعات، بل انها تتعدى ذلك إلى الجوانب الاجتماعية والتقنية التي مرت بها ولا زالت تمر بها اليوم. ومن اهم هذه الجوانب يبرز تبلور الوعي الفكري الناشئ من خلال التنظيمات الجماهيرية على مختلف انتماءاتها الحزبية واللاحزبية والتي اجبرت الرأسمالية على تبني الإصلاحات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي اصبحت اليوم حصيلة لا يمكن النقاش حولها والتي تحققت بنضالات جماهيرية عنيفة لم تخلو من التضحيات الجسام. ويمكن الإشارة في هذا المجال مثلاً الى تثبيت ساعات العمل اليومي، او اجور العمل، او الضمانات الاجتماعية التي يواجهها الرأسمال بتحفظات كثيرة، والكثير من المكاسب الاجتماعية الأخرى التي لم يحققها الاقتصاد الرأسمالي عن طيبة خاطر، والتي لم تعد مطالب جماهيرية نضالية، إذ انها ثُبتت بقوانين وتعليمات لا يمكن التراجع عنها، فأصبح العمل والنضال يتوجه نحو تطوير هذه المكاسب والنضال لتخطيها للحصول على مكاسب اخرى قد تكون غير مطروحة سابقاً ضمن المطالب النضالية. وبما ان مجتمعاتنا لم تمر بهذه المراحل التي عاشتها بعض المجتمعات المتقدمة الآن ، فما علينا إلا ان نفكر بما ينبغي عمله لتحقيق المجتمع الأفضل لوطننا . لذلك يصبح من الضروري التعامل الجديد مع بعض الموروث الثوري للفكر الذي نتبناه .

وفيما يتعلق بالمرحلة التي يمر بها وطننا العراق الآن والتي ينتشر فيها الجهل العام والتثقيف الغيبي، لا يمكننا ان ننتظر تغييراً ينطلق من مقومات فكرية او وعي طبقي بقدر ما نشهد من ردود فعل تعمها الانفعالات العاطفية الآنية، بالرغم من كونها مطلبية، والتي يجب ان تتعامل معها القوى السياسية بصيغ تنظيمية قد لا يستجيب لها الوضع الذي لم يبلغ تلك الدرجة الكافية من الوعي طبقياً وفكرياً. لذلك اضع هذه العلاقة الجدلية للمناقشة المستفيضة التي ارى انها لابد لها وأن تزن مسألة الوعي الفكري بميزان خاص في هذه المرحلة من سيادة الفكر الغيبي والتجهيل الهادف لإبعاد المجتمع عن كنه ما يمر به اساساً ، خاصة إذا ما ارتبط هذا التجهيل بمقدسات فكرية ملتصقة بالمجتمع التصاقاً تاريخياً وآنياً ، كالدين والعشيرة مثلاً . بعبارة اخرى يجب علينا العمل على خلق تنظيم مجتمعي ثوري جديد يضع مسألة الوعي الفكري في مقدمة برنامجه العملي ، اذ لا تغيير نوعي دون وعي ينتشل الفكر من اوهام الغيب ويضعه في مسار التنوير الحداثوي الذي تعيشه الشعوب التي سبقتنا اليه .

اما النقطة الثانية التي لا تقل اهميتها عن النقطة الأولى، فتتعلق بطبيعة العمل مع جماهير تفتقد الى الوعي الثوري، وما هي الأساليب التي يمكن اتباعها لزج أكثر ما يمكن من هذه الجماهير للإعلان عن إصرارها لنيل حقوقها والدفاع عن مصالحها اليومية على الأقل؟ وليس التفاعل مع هذه الحقوق عاطفياً او اتكالياً فقط.

لقد اثبت الحراك الجماهيري في العراق منذ 2011 ولحد الآن بان صيغ النشاط الوطني المنظَم من خلال تنسيقيات محلية يشارك في عملها حتى اولئك الذين لم يكن لهم نشاطاً سياسياً من قبل ، هي الطريق الناجح لإدامة الزخم الثوري للحراك الجماهيري . إن زج بسطاء الناس في عمل التنسيقيات (نقابات عمال، جمعيات فلاحية، تنظيمات مهنية نقابية، منظمات مجتمع مدني وغيرها) لتشمل قاعدة جماهيرية واسعة تشارك في صنع الحدث السياسي الساعي الى التغيير، لابد له وان يصطدم بمسألة القيادة التي تسعى الى تنظيم هذا العمل. وهنا تبرز اهمية التنظيم السياسي الذي سيقوم بهذا الدور القيادي التنظيمي لهذه التنسيقيات . تبرز اهمية هذا النوع من العمل الجماهيري من خلال ملامستها لفئات مختلفة وكثيرة من الجماهير ولا تعتمد على فئة معينة او حزب واحد او تكتل سياسي مهما بلغ حجمه . قد تقودنا مناقشة هذا النوع من العمل الجماهيري الى تطوير صيغ عملية مناسبة للساحة السياسية العراقية تحت الظروف التي تمر بها الآن . وهذه هي المعضلة التي نعيشها اليوم مع ثورة الشباب في العراق والتي بدأت في اكتوبر من عام   2019

لقد برز في مسار هذه الثورة توجهان لم اكن على قناعة بطرحهما على ساحة الثورة وبين شبابها :

التوجه الأول الرافض للأحزاب ، والتوجه الثاني الرافض للقيادة .

ففيما يخص التوجه الرافض للأحزاب والذي انبثق من شباب عاشوا تجربة احزاب فاشلة عكسوا فشلها هذا على مجموع العمل الحزبي الذي يشكل اساس الدولة الديمقراطية، حتى بهياكله التنظيمية الهرمية الحالية. فإننا حينما ندعوا الى دولة مدنية ديمقراطية ، فإن ذلك يعني ان ممارسة الديمقراطية لا يمكنها ان تتم بشكل صحيح دون وجود متنافسين في العملية الديمقراطية . فالرافض للأحزاب في العملية السياسية مثله كمثل من يريد إقامة مهرجاناً رياضياً ولكن بدون مشاركة رياضيين . وهذا لا يمكن تحقيقه اصلاً .

إن التجربة الفاشلة التي مارستها دكتاتورية البعث  الساقطة وكل ما تمخض عن جرائم وانتهاكات  منظماتها الإرهابية طيلة اربعة عقود من تاريخ  العراق الحديث ، يضاف اليها التجارب الفاشلة الأخرى التي مارستها احزاب الإسلام السياسي والأحزاب التي ساندتها لقيادة العملية السياسية في وطننا العراق منذ ان جاء الاحتلال الأمريكي بهذه الأحزاب الى قمة السلطة عام 2003 ، كل ذلك ادى الى ان يعطي شباب الثورة  مثالاً لهذه الممارسات وكأنها هي الممارسات التي تنهجها الأحزاب السياسية في كل عهد ومهما اختلفت برامج ونظريات هذه الأحزاب وهيكلها التنظيمية ، وهذا ليس صحيحاً طبعاً ولا يقع ضمن العمل الذي يتصف به الحزب السياسي صاحب البرنامج الوطني والقناعة بالمنافسة السياسية الحرة التي تشكل اسس الديمقراطية التي تحدثنا عنها اعلاه .

اما التوجه الثاني الرافض للقيادة ، فلا ادري في الواقع ما هي مسببات هذا الرفض  . القيادة، خاصة تلك التي تعي مسؤولياتها القيادية لا يمكن الاستغناء عنها في توجيه العملية السياسية. فكيف يجب ان تكون هذه القيادة وما هي مقوماتها ؟

وهنا لابد لنا من التفتيش عن القوى  المتواجدة على الساحة السياسية العراقية ومدى قدرتها على القيادة واهليتها لها ، والتي يجب ان تكون بمستوى الحدث فكرياً وتنظيمياً ، وعلى درجة عالية من الوعي السياسي والتجربة العملية . ولا اجد في هذا المجال اية قوة غير القوى العراقية المدنية المنتَظَمة في احزاب ومنظمات مجتمعية ذات برامج وطنية واضحة ، وقناعة راسخة بالديمقراطية وكل ما يتمخض عنها من نظام سياسي يرتبط   بعالم الحداثة ويبني علاقات اجتماعية وبنى اقتصادية وانطلاق ثقافي ، لا تعيقه الخرافات ولا تغمره التفاهات التي يجعلها هذا او ذاك من رجال الدين والسياسة من المحذورات التي لا ينبغي لها ان تسود مجتمعنا في العراق . الأحزاب والمنظمات الاجتماعية المدنية  التي بإمكانها مجتمعة ادارة وتنظيم وديمومة الحراك الجماهيري ومسك التشابك بين لجانه المختلفة وتوجيهه الوجهة التي تنتظرها الجماهير التي ستشارك به انطلاقا من القناعة بحقوقها وليس استناداً إلى إيعاز حزبي او توجيهات قائد معين او تصرف عفوي او اي شيئ مشابه آخر ،مع مراعاة وجود نفور عام في المجتمع العراقي من الانتماءات الحزبية للأسباب التي ذكرناها اعلاه وبعد التجارب المريرة التي قدمتها الأحزاب التي تسلطت على السلطة السياسية سواءً اثناء دكتاتورية حزب البعث او من خلال الممارسات الإجرامية تجاه المجتمع العراقي لأحزاب الإسلام السياسي والقوى القومية الشوفينية الداعمة لها والمتحكمة الآن بالشارع السياسي العراقي وشؤون الدولة العراقية التي تكاد تكون منتهَكَة وممخورة في كل مؤسساتها .

ومن خلال العمل السياسي ومشاركة الجماهير تطلعاتها تبرز المسألة المتعلقة بالبعد الاجتماعي للعمل السياسي والموقف من المشاركة او عدمها في السلطة السياسية، وفي السلطة التنفيذية على وجه الخصوص، سواءً عبر الانتخابات الرصينة او عبر الخيارات الأخرى.

كلنا يعلم تماماً بأهمية المعارضة للسلطة السياسية التي تنشأ في بعض المجتمعات ودورها حتى في تحقيق عزل حكومات او إيقاف توجهات ترى فيها عدم انسجامها مع تطلعات الجماهير التي تسعى هذه المعارضة للدفاع عنها. اي ان التوجه لتشكيل معارضة قوية يجب ان لا يكون اقل نشاطاً من التوجه إلى المساهمة في السلطة السياسية بما يضمن الاستقلال الفكري والتنظيمي. والمعارضة التي ينبغي تحقيقها لا يجب ان تكون برلمانية فقط، بل انها ستكون اقوى واشد تأثيراً لو تآلفت مع المعارضة البرلمانية. لقد قدمت لنا الحركة السياسية اليسارية في بعض المجتمعات، مثلاً المانيا، فرنسا، امريكا اللاتينية، نماذج رائعة للتآلف البرلماني واللابرلماني المعارض.

تتسم المرحلة التي يعيشها العالم اليوم بتطلع الشعوب نحو الديمقراطية التي تسعى الجماهير لتحقيقها باعتبارها الضمانة الأكيدة للمشاركة في مسيرة التطور الحضاري الآني . وقد يأخذ مفهوم الديمقراطية بعداً جديداً بعد ان علمنا سواءً في مجتمعنا العراقي او في مجتمعات اخرى كإيران او مصر او تركيا مثلاً، كيف تم استغلال المفهوم الكلاسيكي للديمقراطية الذي ينطلق من الأقلية والأكثرية لوضع مسار البلد على طريق التخلف الحضاري والتجهيل الاجتماعي ونشر الخرافات والأكاذيب لتبرير سياسة ما او عقيدة مذهبية ما او ما شابه .وهنا يجب على قوى الديمقراطية التي تعمل على تحقيقها حسب المفهوم الذي طرحناه اعلاه ان تسعى  الى توسيع حلبات الصراع الفكري المرحلي مع قوى التخلف وعدم التمترس وراء مقولات كعدم استفزاز الآخرين ، او اجتناب الاحتكاك الفكري المباشر مع القوى المختلفة الأخرى او ما شابه ، وذلك من خلال الصراع الفكري الجريئ لإعطاء الديمقراطية مفهوماً إضافياً يرتبط بانسنتها بحيث لا تعني الأكثرية فقط ، بل انها تعني ايضاَ المواطن الفرد بكل ما له من حقوق وما عليه من واجبات ، ناهيك عن حقوق وواجبات المكونات الاجتماعية المختلفة مهما كبُر أو صغُر عددها ، اي تبني مفهوم المواطنة بشكل اساسي ، وليس المفهوم العددي للأقلية والأكثرية الذي ينبثق عنه مصطلح " الأقليات " الذي يجب رفضه والاستغناء عنه بالمواطنة . لذلك فإن تحقيق الديمقراطية بشكلها الجديد يعني اول ما يعني ربطها بالعَلمانية ، وبذلك نحصل على منظومة اجتماعية لا يمكن فصل مقوماتها الإنسانية عن بعضهما البعض . وقد يشكل هذا المفهوم للدولة الجديدة العلمانية الديمقراطية الأساس الثابت للنشاط السياسي سواءً داخل التنظيم الواحد او بين التنظيمات المختلفة . اي ان التفتيش عن الحليف الاجتماعي ومن ثم السياسي سيتحدد بالموقف من هذا المفهوم الذي يضم بالضرورة التقارب السياسي المنهجي والتوجه الفكري.

عرض مقالات: