رصيد الحساب الجاري

من المتوقع أن يكون رصيد الحساب الجاري سلبيا في عامي 2020 و 2021 مع عجز قدره 22.5 مليار دولار و 23.7 مليار دولار على التوالي مقارنة بالفوائض التي كانت خلال السنوات الثلاث السابقة. يُعزى جزء كبير من الزيادة في عجز رصيد الحساب الجاري في عام 2020 إلى الانخفاض التفاضلي لجانبي الحساب: الانكماش الحاد في تصدير السلع والخدمات من 93.9 مليار دولار في عام 2019 إلى 53 مليار دولار في عام 2020 (انخفاض بنسبة 43.54 ٪)، بينما تنخفض قيمة الاستيرادات من 86.7 مليار دولار في عام 2019 إلى 70.9 مليار دولار في عام 2020 (انخفاض بنسبة 18.22٪). ومن المتوقع أن يزداد عجز رصيد الحساب الجاري في عام 2021 بمقدار 1.3 نقطة مئوية عن عام 2020، ويعزى ذلك إلى الزيادة التفاضلية في كل من الصادرات والاستيرادات، كما توضح بيانات الجدول.

حجم ومكونات المديونية

يسلط حجم المديونية واتجاهاتها زمنيا مزيدًا من الضوء على حالة الاقتصاد العراقي. وكما تشير اليه البيانات فقد سلكت نسبة المديونية الحكومية الى اجمالي الناتج القومي اتجاها تنازليا من حوالي 59% في عام 2017 الى حوالي 47% في عام 2019. وبما ان اجمالي الناتج القومي (الاسمي) كان في اتجاه تصاعدي خلال نفس الفترة فان ذلك يشير الى انخفاض حجم المديونية من 115 مليار دولار الى 107.9 مليار دولار بين عامي 2017 و2019. لقد توقع صندوق النقد الدولي انعكاس الاتجاه التنازلي السابق وتحوله إلى زيادة مذهلة في إجمالي الدين قياسا للناتج المحلي الإجمالي، حيث يتوقع الصندوق ارتفاع نسبة إجمالي الدين الى الناتج المحلي الإجمالي من 46.9٪ في عام 2019 إلى 68.3٪ ثم إلى 75٪ في عامي 2020 و 2021 على التوالي. وهذا يعني ارتفاع حجم المديونية الى حوالي 121.7 مليار دولار في عام 2020 ثم الى 147.2 مليار دولار في عام 2021.
اما ما يتعلق بالمديونية الخارجية فتشير البيانات عن نسبة إجمالي الدين الخارجي الى اجمالي الناتج المحلي خلال السنوات من 2017 الى 2019 بانها انخفضت من 35.5% في عام 2017 الى 30.9% في 2019. إلا ان حجم هذه المديونية قد ارتفع من حوالي 69.4 مليار دولار الى حوالي 71.1 مليار دولار للعامين المذكورين على التوالي.
يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع نسبة الدين الخارجي الى اجمالي الناتج المحلي الى 40.5% في عام 2020 ثم تنخفض الى 36.1٪ في العام التالي، مما يعني ارتفاع حجم المديونية بشكل طفيف الى 72.1 مليار دولار في 2020 لتنخفض في العام التالي الى حوالي 70.9 مليار دولار.

بناءً على هذه البيانات يمكن إطلاق بعض التحذيرات:

أولاً، سيتجاوز إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال 2020-2021 الحد المقبول دوليًا (60٪ من الناتج المحلي الإجمالي)،
ثانياً، بما أن الدين الخارجي هو جزء من إجمالي الدين، فإن البيانات تشير إلى اعتماد الحكومة المتزايد على الاقتراض الداخلي في تمويل عجزها المالي. فمن مقارنة البيانات اعلاه يتضح الانخفاض التدريجي في حجم الاقتراض الداخلي من حوالي 45.7 مليار دولار في 2017 الى حواي 36.8 مليار دولار في عام 2019 ثم يتوقع حصول طفرات متعاقبة تصل الى 49.5 مليار دولار ثم 76.3 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021 على التوالي. وبسبب محدودية الامكانيات المالية للقطاع الخاص والقطاع المصرفي غير الحكومي فقد يتم، في المحصلة النهائية، تمويل الاقتراض الداخلي من قبل البنك المركزي العراقي وما يترتب عن ذلك من تاثير على غطاء العملة وما يتبعها من انعكاسات سلبية،
ثالثًا، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تآكل الجدارة الائتمانية للبلد، وزيادة مخاطر وتفاقم تكلفة الاقتراض السيادي من المصادر الخارجية، رابعا، وبالتالي، يمكن للعراق أن يقع بسرعة في فخ المديونية وكل ما يعنيه ذلك من نتائج وانعكاسات سلبية.
لقد سلطت معلومات حديثة، افاد بها المستشار الاقتصادي للحكومة الاخ د. مظهر محمد صالح، الضوء على التركيبة والتوقعات والعواقب على مشكلة ديون العراق المتفاقمة. علما ان اللجنة المالية في مجلس النواب بدأت، في 28 تشرين اول الحالي، مع الكادر المتقدم في وزارة المالية بمناقشة مشروع قانون “تمويل العجز المالي”!!

إجمالي الاحتياطيات الرسمية

لذلك ليس من المستغرب أن يكون إجمالي الاحتياطيات الرسمية (سواء من حيث الحجم او تغطية متطلبات الاستيرادات) مصدر قلق كبير. مرة أخرى، عندما ينعكس الاتجاه التصاعدي حتى عام 2019 الى اتجاه متراجع بسرعة خلال هذا العام والعام المقبل فان هذا يشكل مظهرًا إضافيًا لتدهور الاقتصاد. فقد ارتفع إجمالي الاحتياطيات الرسمية تدريجيًا من 49.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 68 مليار دولار في عام 2019، ويتوقع الصندوق انخفاض إجمالي الاحتياطيات الرسمية إلى 47.9 مليار دولار ثم إلى 36.6 مليار دولار في 2020 و 2021 على التوالي. ومع زيادة مستوى الاستيرادات، ستنخفض قدرت إجمالي الاحتياطيات الرسمية في تغطية الاستيرادات من 11.5 شهرًا إلى 8.6 شهرًا وإلى 5.3 شهرًا للأعوام 2019 و2020 و2021 على التوالي.
اعتمد التحليل والمناقشات أعلاه في المقام الأول على البيانات المنشورة من قبل صندوق النقد الدولي الذي كان منذ عام 2003 يساعد ويوجه السلطات العراقية، بالتعاون مع البنك الدولي، في كيفية إدارة الاقتصاد.
مع وجود بلد في مثل هذه الحالة غير قادر على تمرير قانون لميزانيته السنوية، فإن الوقت وحده كفيل بالكشف عن كيف يمكن لـ “الورقة البيضاء” التي تم اعتمادها مؤخرًا و “مجموعة الاتصال الاقتصادية” التي اتفق على تشكيلها حديثًا معالجة التحديات الجسام التي تواجه العراق، “الدولة الهشة” حسب تقييم صندوق النقد الدولي!!؟؟
المصدر والملاحظات: قمت بإعداد الجدول وتجميع مكوناته من ملف «بيانات Excel» للملحق الإحصائي للنسخة الإنجليزية لتقرير صندوق النقد الدولي، التوقعات الاقتصادية الإقليمية: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أكتوبر 2020. من المفيد التنبيه الى ان النسخة العربية للتقرير لا تتضمن ملف بيانات Excel هذا في الوقت الحالي. (1): سعر النفط الذي يكون فيه الرصيد المالي صفراً، (2): سعر النفط الذي يكون عنده رصيد الحساب الجاري صفرًا، (3): تعرف النقود الواسعة بأنها تشمل ودائع غير المقيمين (M5) والعملات والودائع تحت الطلب وأشباه النقود والودائع طويلة الأجل، (4): تحسب كاحتياطي في عدد أشهر الاستيرادات للعام القادم.
تم اعداد وعرض هذا الجدول لمساعدة المعنيين، في مختلف مرافق الدولة والخبراء، بمتابعة التطورات الاقتصادية الاساسية ولمزيد من التحليل والمتابعة، فالمواضيع الاقتصادية بطبيعتها، كغيرها من العلوم الاجتماعية والانسانية، حوارية خلافية تتباين بشأنها الاراء والتحليلات الى حد التناقض!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
استشارات التنمية والبحوث – النرويج

عرض مقالات: