توالت على من يتظاهر سلميا ممن يريد وطن ونزل ليأخذ حقه، الكثير من المنغصات والعواقب، أثبتت الوقائع الملموسة، أن وراءها مسؤولي القائمين على مواقع القرار. نفذها من يحسبوا على المحافظة على سلامة المنتفضين. (حسب الدستور التظاهر مكفول !!) بالإضافة لتذاكي تصريحات رموز الحكومة أمام عوائل الشهداء الذين قاموا بزيارتهم، ليزرعوا الأمل في نفوسهم وببعض الكثيرين من نشطاء الانتفاضة، بأن دماء شهدائهم لن تذهب سدى، وإن المغيبين سيُكشف عن من غيبهم قريبا، لمعرفته بأماكن تواجد البعض منهم، مؤكدا على ملاحقتهم، ومن أن القانون سيُطبق بحقهم. تلك التصريحات لم ثُشم منها رائحة تهديد ولا كانت توحي بأن هناك أهدافا جانبية، تتضمن طمر دماء أكثر من 700 شهيد و250 ألف معاق، ولم تمس مطالب المنتفضين، والاستعدادات لتوفير مستلزمات الانتخابات المبكرة لتكون حرة ونزيهة. مما أشاع في نفوس الكثير من الناس الاطمئنان على صحة مسار الحكومة نحو تحقيق ما يُطالب به المنتفضون ، إلا أنه بعد انتهاء الاستذكار بذكرى اندلاع الانتفاضة فوجيء المنتفضون والجماهير الشعبية بالبلدورزات ورجال الجيش تكتسح ساحات التظاهر وتزيل الخيام في بادرة أدعى القائمون على هذه العملية، إنها تجري بالتوافق مع المنتفضين، بينما ظهر لاحقا أن بعض الناشطين والذين لم يشخصوا، حيث جرت مساومتهم، رهن تعينهم في دوائر الدولة، حتى يكونوا مروجين لخوض البعض من رموز الدولة الانتخابات المبكرة، كما جاء ذلك في تصريح لأحد  قيادي كتلة النصر. مما سيجعل التنافس غير عادل ونزيه.

كل ذلك لم يمنع مواصلة المنتفضين، تظاهرهم السلمي بتصميم أعلى، معتبرين أن الأقوال التي تقول بها بعض المسؤولين، ماهي إلا لذر الرماد في العيون. خلفها وقف من ينوي مواصلة النهج السياسي التحاصصي أولا، وطمس الحقيقة وعدم الوفاء بالتعهدات ثانيا، كما تشير الشواهد في الساحة السياسية العراقية، حيث ليومنا هذا لم تجر أية خطوة نحو تحقيق أهداف الانتفاضة، وأنه لن يكون هناك خطوات جدية للتغيير والإصلاح، فلا زال الفاسدون يٌمارسون النهب المؤدلج وشرعنة اللصوصية، بشكل غير منظور في البلاد، ولم تطالهم يد العدالة، مما زاد من معاناة الطبقة الفقيرة من الشعب في معيشتها اليومية، ودفع المنتفضون، أن يؤكدوا على صرامة مواصلة الاحتجاجات، واضعين أمامهم حكمة تداولتها أطراف الحركة الوطنية العراقية منذ بدء حراكها المطلبي (أثبتت الوقائع صحتها)، بان من يقتل مطالبا بوطن حر لا يؤمن على شيء.

ومع الاعتراف بتحمل المنتفضين مسؤولية عدم التعامل مع المنغصات والمواقف المأساوية بجدية وبمنتهى الحرص والمسؤولية. تأكد ذلك، من اتخاذهم جدية التعامل مع من يريد تفويت الفرص لتأجيج الاحتقان والنعرات المختلفة. علاوة على رص صفوفهم تحت قيادة توجه حراكهم، واتخاذ موقف حازم تجاه محاولات بتر أطراف الحراك الشعبي، الذي يستمد قوته من الإمكانيات الشحيحة التي توفرها الجماهير الشعبية على مختلف المستويات، وخصوصا المادية واللوجستىية. مستفيدين من تجربة شعبنا من أن أي حراك جماهيري لا بد ان تكون له قيادة مسؤولة تنهض بتوجيهه.

 إن المطالبين بوطن وبحقوقهم الوطنية، وبالإيفاء بالتعهدات التي قطعها رموز السلطة للجماهير الشعبية التي عشعش الجوع في صفوفها وازدادت فقرا وبؤسا، لا يمكن أن تعالجه الورقة البيضاء التي اهملت التطرق إلى البنية التحتية، حيث ستؤدي بوضوح إلى الفرز الطبقي والاجتماعي وتزيد الهوة بين الأغنياء والفقراء، بشكل سيدمر حقوقهم الإنسانية،

 فالمطالبة والتأكيد على ردم مسببات الفقر، مرهون بالقضاء على الفساد المالي والإداري، والذي أعتبره القائمون على مواقع القرار تعاليا على سلطتهم وتهديدا لكراسيهم وتفريق شمل شللهم التي وقفت وراء دوافع تجويع شعبنا. فهذه الآفة التي ابتدأها الحكم الصدامي تواصلت بشكل أعمق في فترة حكم الأحزاب الإسلامية المتحاصصة قوميا وسياسيا، والتي أذلت شعبنا الذي لم يطالب بأكثر من وطن يسوده الأمن الإنساني والفكري والاقتصادي. يدعون القائمين على مواقع القرار الاستيقاظ من صوامعهم، لكسب صداقة ورضى الجماهير الشعبية، ومصادقتها باحترام إنسانيتها ومشاركتها آمالها وطموحاتها.