بعد مخاض عسير وبعد عملية قيصرية قاسية توصل برلمان فرسان المحاصصة الى صيغة قانون الانتخابات المزمع اجراؤها في حزيران 2021.

فما هو هذا القانون وما هي افرازاته وتداعياته المستقبلية على الدولة العراقية وعلى اللحمة الوطنية العراقية؟

 كان   المفروض من غرض تشريع قانون للانتخابات هو لإصلاح   العملية الانتخابية السابقة العرجاء بشكل يخدم تطوير العملية السياسية الديمقراطية وتقوية اللحمة الوطنية للشعب العراقي بكافة اطيافه القومية والدينية وتقوية واستعادة هيبة الدولة المفقودة منذ 2003 ونقل الدولة من حالة الموت السريري الى حالة الإنعاش، ونقل الشعب من حالة الاحباط والتشظي والتمزق الى حالة النقاهة الصحية.  ولكن النتيجة جاءت كما يقال بالمثل (تمخض الجبل فولد فأرا).

فبدلا من ان يلملم القانون المقترح جراح الفرقة الاجتماعية فانه سيزيد من تعميق جروحها. وبدلا من ان يعزز هيبة الدولة سيضعف هيبتها، وبدلا من ان يطور اقتصادها سيسرع من عملية تدميره، فالنائب المنتخب على اساس القوائم المتعددة سيصبح اداة فرقة لا اداة توحيد، واداة فساد لا اداة امانة، واداة بيد الفاسدين من اصحاب المال الفاسد، واداة طيعة بيد الطائفيين وبيد بعض رجال العشائر وبيد الوصوليين. وبيد ضعفاء النفوس من الطامعين بالشهرة والثراء، وهذا القانون سيصبح اداة معرقلة لوصول اصحاب الكفاءات العلمية والمناضلين الحقيقيين من اجل رفعة الوطن وسعادة الشعب ورفع شان العدالة الاجتماعية - الى قاعة البرلمان. كما سيفرز امراضا وازمات عديدة تضاف الى ما موجود من امراض وازمات مثل: -

التناحر العائلي والعشائري والتناحر القومي والاثني والتناحر الديني والطائفي والتناحر الجغرافي، كل هذا سيحدث في زمن افتقار العراق الى جملة معطيات ضرورية يجب ان تسبق اجراء الانتخابات مثل: - 

ضرورة وجود تعداد سكاني قبل اجراء الانتخابات والذي لم يجر منذ أكثر من ثلاثين سنة عانى خلالها العراق من سلسلة حروب وكوارث   اجتماعية وحصار وتشوه سكاني وتهجير شوفيني وحكم طائفي وتغيير ديموغرافي وارهاب داعشي وميليشياتي.

   مما ادى الى هجرة جماعية للكثير من ابنائه وخاصة من بقايا سكانه الاصليين (المسيحيون – المندائييون - الشبك - الإيزيديون) وغيرهم. إضافة لما خلقه داعش من عملية نزوح جماعي لمئات الآلاف من السكان من مناطق سكناهم ولآلاف المغيبين من الشباب لأسباب طائفية بعد فتنة 2004 الطائفية. وكذلك هجرة الكثير من الكفاءات العلمية والادبية والفنية   الى دول المهاجر والذين هم ثروة   البلاد التي لا تقدر بثمن. هذا اضافة الى ما عاناه الشعب العراقي من اساليب التجهيل المنظم والمتمثل في نشر ثقافة الخرافة والاسطورة والتناحر المذهبي والقومي، والى ما لاقته المرأة العراقية من اساليب القهر والاستعباد وسلب الارادة والتجهيل عن طريق نشر الفتاوى الغريبة التي تحط من قيمتها كإنسانة مساوية للرجل وأم للحياة.

الأم مدرسة إذا اعددتها       اعددت شعبا طيب الاعراق

 كل هذه الامراض والتداعيات ستفعل وتبرز بقوة من جديد من خلال اعتماد قانون (الدوائر الانتخابية) المزمع والذي لا يصلح لمجالس البلديات والذي يختص بمعالجة المشاكل المحلية فقط، وليس لمعالجة هموم ومشاكل شعب كامل، وحسب ما جاء بالعلم السياسي المعتمد عالميا - ان النائب البرلماني هو نائب لكل الشعب من اقصاه الى اقصاه ومن شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، ومؤشره الاساسي هو برنامجه الوطني العام الذي يعالج المشاكل الوطنية ويضع الخطط والبرامج لتطويرها، مما يفضي الى تقوية النسيج الوطني ورفع هيبة الدولة امام العالم. ويعمل على اجتثاث كل امراض الفرقة الدينية والطائفية والعرقية من جسم المجتمع ويزرع فيه روح الامل والتفاؤل والحماس الوطني والغيرة الوطنية. الامر الذي يفسح المجال للمبدعين من ابناء الوطن للمساهمة في عملية تطويره.

فالمفروض بالنائب المنتحب ان يكون انتماؤه   الوطن وبكافة ابناء الشعب بدون تمييز وليس للدين او للطائفة او القومية التي ينتمي اليها. وان برنامجه الوطني هو هويته التي تعرفه للناخبين والذي هو نتاج دراسة موضوعية لخطط التنمية التي تقترحها جهات علمية واكاديمية متخصصة تضع فيها الاهم قبل المهم وفقا لحاجات البلد، ووفقا لإمكانياته   الاقتصادية المتوفرة وكذلك وفقا لأماكن توزيع مشاريع خطته الاقتصادية المنبثقة من دراسة علمية لظروف كل منطقة جغرافية فيه، وليس حسب رغبة سكان هذه المنطقة او تلك. فارض العراق ملك   لجميع العراقيين على مختلف صنوفهم ولغاتهم وانتماءاتهم وليس لفئة او طائفة او قومية معينة. وخيراته ملك مشاع لكل افراد شعبه وليس لمنطقة دون اخرى. 

وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تعرف النائب بناخبيه وليس اشياء اخرى وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تحصنه من كل التأثيرات والضغوط التي قد يوحها. وبذلك سيتمتع بالاحترام من الجميع دون استثناء، وبهذه الطريقة سيفسحُ المجال لأصحاب الكفاءات والوطنيين الحقيقيين للفوز   بالمقاعد البرلمانية في حين سيهزم الضعفاء والانتهازيون والطائفيون والفاسدون من الوصول الى قبة البرلمان، وهذا سيؤدي الى انحلال وذوبان احزاب الفساد والفرقة والجريمة المنظمة والمرتبطين بالأجندات الاجنبية، مما سيفضي الى رفع هيبة الدولة امام العالم ويمنح الناخب الثقة بنفسه وبالمستقبل. وسيكون عمل هذا النائب اشبه (بماكنة لحيم للأجزاء الوطنية المتكسرة) وفلاحا لزرع حقول الثقة والحب بين ابناء الشعب الواحد المتعدد الاطياف والمشارب. 

إن هذه الخصائص الايجابية لن تتوفر الا باعتماد قانون (اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة) وخاصة في هذا الظرف الذي يمر به البلد والذي تميز بكثرة ماسيه واخفاقاته.

عرض مقالات: