مقولة المجرب لا يُجَرَب لا تجد لها مضموناً اكيداً اكثر مما تجده في سياسة احزاب الإسلام السياسي الفاشلة بالعراق ، وكل الأحزاب التي عملت معها على تفعيل سياسة المحاصصات المقيتة التي اوصلت وطننا واهلنا إلى هذا الوضع المفضي إلى الهاوية .
سياسات احزاب الإسلام السياسي الفاشلة هذه برزت على اقبح وجه حينما سخرت هذه الأحزاب الدين كبضاعة لتعرضها على أسواق المزايدات على حساب الهوية الوطنية العراقية . هذه الأحزاب التي سلكت طريق المحاصصات الدينية وطعمتها بالمشاعر القومية العنصرية والمناطقية وحتى العشائرية لدى القوى التي ساندتها في التأثير على السياسة العراقية من خلال السيطرة على الحكم ،هي التي وضعت البلاد في كثير من الحالات على حافة الحرب الأهلية التي تبلورت في كثير من مناطق الوطن على شكل إقتتال ومنازعات وعداوات بين أبناء الوطن الواحد لتتشظى فتصبح بين أبناء الطائفة الواحدة أو بين أبناء القومية الواحدة أيضاً . لا نريد ان نقول هنا بأن السحر إنقلب على الساحر ، لأن السحرة في كل هذه السياسة العقيمة هم قادة ورؤساء هذه الكتل السياسية الذين لم ينلهم الكثير من هذه الخصومات الدينية والقومية بين ابناء الوطن الواحد ، بل بالعكس ، إذ يمكن القول بأنهم لم يزدادوا إلا غناً وسلطة وجاهاً ، بعد ان كان أغلبهم يعيش عيشة بسيطة ، بل وفقيرة أحياناً ، فسبحان مغير الأحوال . إن المواطن العراقي البسيط هو الذي أصبح ضحية هذه المحاصصات الدينية والقومية وهو الذي لا زال يكتوي بها كل يوم ويزداد أنينه تحت وطأتها التي أخذ ت تشتد يوماً بعد يوم . إلا أن ألأيام أثبتت لنا ايضاً ان تجارة المحاصصات هذه قد فقدت بريق أيامها ألأولى التي أوصلتها إلى الحكم وتراجع عنها المواطن الذي إنجذب إليها بهذا الشكل أو ذاك في وقت ما لم يعد قائماً في الوقت الحاضر . إن حالة هذه التجارة البائسة اليوم حالة لا يُحسد عليها تجارها ، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال :
إنهيار الشعارات الدينية والقومية التي ظلوا يتبجحون بها منذ إنهيار البعثفاشية ولحد الآن. لقد ربطوا عملهم السياسي البحت وتحقيق أهدافهم السياسية بالمشاعر الدينية والقومية التي جعلوها كالبضاعة التجارية يتفنون في عرضها على الناس بين الحين والحين مستغلين التوجهات الفطرية لديهم وارتباطهم التراثي بالدين او بالقومية ولم يخطر ببال أحد من الناس ان تصبح العمائم واللحى والتصريحات الرنانة ورقة للوصول إلى الثروة والمحسوبية والسلطة والتحكم برقاب الناس وتمويل المليشيات وتوزيع شبكات الإرهاب والسطو على قوت ومصالح وحقوق الآخر ، طالما لم يستجب هذا الآخر لنداءات التمحور الطائفي او لسياسات القمع القومي ، وطالما يرفض هذا الآخر ان يملأ راسه بخرافات القرون الوسطى وجهل الإنسان البدائي .
لقد إنهارت شعاراتهم الدينية والقومية وبارت تجارتهم بها حينما إنهار ركن من أهم أركانها التي كانت تتغنى به من خلال طرحها لشعارات الصدق والأمانة والحفاظ على ألأموال العامة واحترام حقوق المواطنين بالحياة الحرة الكريمة في بلد تتوفر فيه كل الإمكانيات لتوفير هذه الحياة إلى مواطنيه الذين إنتظروها آملين تحقيقها بعد سقوط البعثفاشية في التاسع من نيسان عام 2003. إذ اصبحت الشعارات المعاكسة هي السائدة التي تردد " باسم الدين باكونا الحرامية " او " علي بابا علي بابا ... مو حكومة انتم عصابة " وغيرها من الشعارات التي تشير إلى اهتمام رواد السلطة السياسية وتجار المحاصصات القومية والدينية بجمع الثروات وسرقة المال العام، في حين لا زال أيتام وأرامل المقابر الجماعية وشهداء الحرب مع عصابات الدولة الإسلامية يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وبطونهم خاوية .
ومن خلال انتشار الفساد الإداري والمالي والإداري الذي توجهه الأحزاب الحاكمة ، حيث اصبح الشعار السائد لديها : اليوم أمرٌ وغداً فرٌّ ، والشاطر هو الذي يستفيد من هذا الأمر اليوم على أحسن ما يمكن وفي مختلف المجالات ، كل ذلك ولا ينسى مواصلة طرح الشعارات الدينية والقومية ، تيمناً بمقولة : لا ضرائب أو كمارك على الكلام ، خاصة لأؤلئك الذين لا يعلمون اليوم بما قالوه بالأمس ، أو تنفيذاً لمقولة : كلام الحسينيات تمحوه سلطة الوزارات .
او من خلال الإنهيار العام الذي تتعرض له كل مرافق الدولة بدون استثناء بدءً بالعملية التربوية والتعليمية وكل ما يرافقها من الأوضاع المأساوية التي يعيشها قطاع التربية والتعليم في مختلف مراحله ، ومروراً بالوضع الإقتصادي الذي لا يزال يواصل المسيرة بكل قوة باتجاه الإقتصاد الغير انتاجي الذي جعل وطن دجلة والفرات يستورد كل ما يحتاجه المواطن من مواد غذائية وحتى الأولية منها ، كما جعل من بلد الإمكانيات والطاقات البشرية والمادية لا يقوى على انتاج ابسط الإحتياجات الصناعية ،وليس انتهاءً بفقدان كل انواع الخدمات التي تشكل اولويات الحياة الإنسانية حتى في ابسط المجتمعات ، فكيف يكون ذلك في المجتمع العراقي الذي قذفت به سياسات الإسلاميين والقومين العنصريين والعشائريين وكل الناكرين للهوية الوطنية العراقية إلى الماضي المتخلف السحيق .
إن كل هذا وغيره الكثير يدل بما لا يقبل الشك على فشل السياسة التي تمارسها الأحزاب الدينية والقومية المتسلطة على أمور البلد اليوم وعدم نجاح كافة ألإجراءات التي تسعى لبناء الدولة المدنية ، دولة القانون . إن فشل سياسة المحاصصات لتأسيس دولة القانون أمر طبيعي جداً ، إذ أن مثل هذه السياسة لا تصب في المصلحة الوطنية العليا التي تشكل الضمانة الرئيسية للوصول إلى دولة المؤسسات القانونية ، إلى الدولة المدنية التي نراها اليوم على مختلف بقاع المعمورة ، لا جيوش دول الجوار تهدد وجودها ، ولا حزب يتحكم بسياستها وليس غير المواطن الناخب الذي يحدد وجهة الحكم فيها ضمن برامج سياسية واقتصادية لا دخل للدين فيها من قريب أو بعيد . بل ان العكس هو الصحيح ، إذ حينما يستشف المواطن في دولة القانون أي توجه متطرف دينياً كان أو قومياً أو سياسياً فإنه يعزف عن مثل هذه التوجهات وذلك بعدم التصويت لها وبالتالي إبعادها عن موقع التأثير على السياسة العامة للبلد. وهذا ما ينبغي تحقيقه في وطننا من خلال المشاركة في الإنتخابات البرلمانية التي ستجري بعد ايام والتي نستطيع من خلال ممارسة حقنا فيها ومنح اصواتنا إلى مرشحين نعلم علم اليقين بنزاهتهم واخلاصهم للشعب والوطن اولاً وقبل كل شيئ فنساهم بذلك مساهمة جدية في خدمة وطننا واهلنا ونشير بوضوح إلى ان الفشل الذريع الذي رافق مسيرة الخمسة عئر سنة الماضية ما هو إلا شهادة على تجربة احزاب الإسلام السياسي التي لا يمكننا السماح بتجربتها مرة اخرى لأن ذلك يعني اول ما يعني استمرار تأكيد شعاراتنا " باسم الدين باكونا الحرامية " او " علي بابا علي بابا ..... مو حكومة انتم عصابة " وهذا ما لا نريده بعد كل هذه التجارب القاسية الفاشلة لتجار الدين واعوانهم اجمعين .