ليس من الصعب العثور على سبب لإشعال الحرائق في البيئة السياسية العراقية الملتهبة أساسا، فالانقسامات المجتمعية التي أججها خلاص العراق من سلطة العصابة الصدامية كثيرة، وهي انقسامات أفقية وعمودية، أبرزها الانقسام العرقي ويليها الانقسام المذهبي.

إن احتقان القوى السياسية العراقية المتصارعة من أجل الحصول على أكبر قدر من الكعكة جعلها تلجأ الى حشد الجماهير خلفها بحجج الدفاع عن القومية أو المذهب أو الدين أو العشيرة.. الخ.

وفي معرض الصراع بين امريكا وإيران على الساحة العراقية، جرت مجموعة من الممارسات التي نسبت الى الحشد الشعبي، أو الى فصائل محسوبة على الحشد الشعبي، وأخرى نسبت الى خلايا تابعة للسفارة الامريكية والذين أطلق عليهم تسمية - الجوكرية احيانا والمندسين احيانا اخرى.

من أبرز تلك الاحداث حرق القنصلية الايرانية في كربلاء، وحرق بعض مقرات الاحزاب في الناصرية، وقصف مواقع في المنطقة الخضراء والمطار بقذائف الكاتيوشا، والقاء بعض القنابل باتجاه السفارة الامريكية.

وقبلها كانت عملية اغتيال سليماني والمهندس والرد على ذلك من قبل إيران مباشرة بقصف قاعدة عين الاسد في الانبار.

ومؤخرا قصف مناطق قريبة من مطار اربيل من قبل فصائل محسوبة على الحشد الشعبي.

جميع تلك الاحداث لا بد وان تؤدي الى تراكم نوعي يؤشر الى حدوث انفجار أكبر في المنطقة لا يحمد عقباه في الوقت الذي تريد فيه أمريكا تجنب أية مضاعفات عسكرية مع إيران منن أجل اجتياز مرحلة الانتخابات الامريكية بسلام، وكذلك تحرص إيران على التزام الهدوء في المواجهة مع امريكا في انتظار نتيجة الانتخابات الامريكية أملا في فوز بايدن الذي قد يفتح ابواب المفاوضات التي ترغب بها إيران اليوم قبل الغد.

والظاهر إن عملية حرق مقرات الاحزاب أصبحت وسيلة للتعبير عن الغضب بدلا من التظاهر السلمي او الاحتجاج الحضاري. ونأمل ان لا تتطور هذه الممارسة لتشمل حرق الاخضر واليابس في أي خلاف سياسي قـلّ شأنه أو علا.

أحدث ما قامت به مجموعة غير معروفة، لكنها محسوبة على الحشد الشعبي كما تدعي، حرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ببغداد وحرق العلم الكردي. 

ما يثير الفزع أن هذا المخطط قد يندرج ضمن حسابات بعض القوى التابعة لدول اقليمية تهدف الى زعزعة الوضع السياسي الهش في العراق من خلال فتح جبهة نزاع جديدة بعد انتهاء حرب داعش في العراق لصالح الشعب العراقي وانتصار العراق بعربه وكرده على تلك العصابات الشريرة التي احتلت ثلث البلاد وعاثت فيه فسادا.

إن تأجيج العواطف وتغذية النزعات العنصرية بين العرب والكرد سيذهب بالبلاد الى قاع الهاوية ولن يبقي حجرا على حجر في العراق الذي يتعرض الى نهش متواصل لأرضه ومياهه وسمائه وتجويع أبنائه في طول البلاد وعرضها.

واخيرا حسنا فعل السيد زيباري بالاعتذار الصريح لكي يفوت الفرصة على اصحاب هذا المخطط وحسنا فعل الحشد الشعبي بنفي علاقته بالأمر وبيان الحكومة المندد بهذه الجريمة وبانتظار ادانة أوسع من قبل الجهات والقوى السياسية الفاعلة في البلاد.

عرض مقالات: