مرة أخرى يندلع لهيب الحرب، ومرة ​​أخرى يجري استخدام الأسلحة النارية، ومرة ​​أخرى ترتفع القبضات والشعارات النارية والشعارات العاطفية، ومرة ​​أخرى خداع الجماهير، ومرة ​​أخرى تدور عجلة الموت والقتل والذبح.

خبر مختصر.... بدأ الأرمن والأذربيجانيون حرباً على منطقة ناغورنو قره باغ. حرب وحرب وحرب من جديد. أية سياسة التي تجر العالم حتى الآن إلى مصيره؟ يبدو أن ذلك يحدث على الدوام. يحدث ذلك على الدوام كما لو أن منطقة الشرق الأوسط لها مكانة ثابتة في هذه السياسة، كما حدث ويحدث في لبنان، سوريا، العراق، إيران، أفغانستان، باكستان، إلخ. وإذا ذهبنا إلى أبعد قليلاً، سنصل إلى إفريقيا.... السودان وإثيوبيا و ...


من أين تتدفق البنادق؟ من هم الباعة؟ ومن هم الزبائن؟ ومن الذي يلقى حتفه جراء هذه الصفقات؟ علينا ألا نذهب بعيدا. إن أكبر باعة الأسلحة في العالم هم الذين يمسكون بزمام الأمور في الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، إلخ. والمشترون هم قادة هذه الدول البائسة والفقيرة الغارقة في الحرب لسنوات مديدة.

في غضون ذلك، يطرح الآن موضوع الحرب بين آذربيجان وأرمينيا. ويبدو أن موضوع الحرب هو احتلال الأرمن لجزء من أذربيجان.

أنا آذربيجاني، أي ولدت في أذربيجان والآن أنا ألماني أحمل الجنسية الألمانية. وبسبب حكم الأنظمة اللاإنسانية، تمت ملاحقتنا من قبل نظام شاه والملا وطردنا من بيوتنا، ونعيش أنا وعائلتي في ألمانيا منذ سنوات عديدة. سألني أحد الاصدقاء عن وجهة نظري بالحرب التي اندلعت بين آذربايجان وأرمينيا، ويبدو بما أنني آذري فقد طرح على هذا السؤال.. والآن كيف على أن أجيب على سؤال صديقي؟

قلت: صديقي العزيز، منذ سنوات عديدة وأنا أتجنب المواقف الأيديولوجية والوطنية والقومية.. فالتراب والدم لا يشكلان هوية الإنسان. قد لا يكون هذا مبعث رضى للعديد من أصدقائي ومواطني. بالنسبة لي، هناك أصل واحد. إنني أفكر في الإنسان، والإنسانية تقع في مركز ثقل العديد من الأحداث في العالم اليوم، وهي تشكل منظومتي الفكرية. كيف يمكنني القبول أن يقتل آلاف الأشخاص الأبرياء من أجل قطعة من الأرض؟ وكيف يمكنني القبول بإراقة دماء البشر من أجل الاستيلاء على بلد أو منطقة أو مدينة أو شارع واستعادتها، أو أنه يجب علينا التعامل مع قوى عالمية لتزويدنا بالسلاح لتحرير أرض من عدو وهمي وبلد وهمي بأسلحة أجنبية؟ ألا يستطيع الأذربيجانيون والأرمن الجلوس معا كشعبين متحضرين وحل مشاكلهم بأنفسهم؟

لدي ثقة كاملة في كل من الأذربيجانيين والأرمن الذين يفكرون في الإنسانية، بأن لديهم القدرة على حل مشاكلهم دون أي إراقة دماء أو تدخل خارجي. هل ينبغي لمجرمين مثل بوتين وأردوغان وترامب وخامنئي أن يتدخلوا في المعركة ويفجروا أدوات القتل الخاصة بهم ويدعمون شعب أذربيجان وأرمينيا بأسلحتهم؟ هل البنادق تحتفظ حقاً الكلمة الأخيرة وهي التي تصنع السلام؟

ولكن من الذي يستمع إلى هذه الكلمات ويتقبلها؟ يقول بعض الأصدقاء أن ناغورنو قره باغ تنتمي تاريخياً إلى الأذربيجانيين. إذا انتقلنا من الفرضية ونظرنا إلى التاريخ غير البعيد، فلمن كانت تنتمي القوقاز، ألم يتقدم العثمانيون ووصلوا حتى حتى النمسا؟ وأي بلد امتلك أذربيجان نفسها؟

بصفتي أذربيجانياً، فعندما أسمع من الأرمن، أتذكر صداقاتهم لنا، وأن ثقافتهم وحياتهم كانت متشابكة للغاية مع ثقافتنا وحياتنا عبر التاريخ، بحيث لا يمكن فصلهما. لماذا يجب أن نفصل بينهما على الإطلاق؟ أنا أحب ذلك وأرتاح له. أي أذربيجاني جيد يمكن العثور عليه، على سبيل المثال، ولا يحب موسيقى "ساري گلين"؟ لا أريد أن أكون على شاكلة البلهاء الذين لا يريدون أن يروا حجم القواسم المشتركة بين موسيقانا وثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا مع الأرمن، ومدى تأثيرهم المتبادل.

صديقي العزيز، إنه لمن السخرية بهذا الماضي السياسي أن أتنازل الآن عن إنسانيتي وأقوم بتكرار لغة البرابرة وأدق طبول الحرب. إنني متنفر من أية سياسة تنطوي على القتل، ولا أحب قتل أي إنسان حتى لو كان عدوي. لماذا لا ننفخ ببوق السلام والمصالحة؟

إذا كنا ديمقراطيين ونؤمن بالديمقراطية، فعلينا البحث عن الطرق لتقرير مصيرنا دون اللجوء إلى العنف والأسلحة والحرب. ينبغي أن نعطي قيمة لمشاعر البشر، وأن نعترف بأن لهم عقل وذكاء ويستطيعون أن يتخذوا القرار المناسب بشأنهم.

يقال إن الإنسان في مرحلة الانتقال إلى الحضارة، يبتعد عن بربريته ويصبح أكثر تحضراً وثقافة. ومن الطبيعي في أثناء هذه العملية أن يتحقق السلام والمصالحة والتسامح والصداقة والعدالة الاجتماعية. يعود البشر أحياناً إلى ماضيهم الحيواني ويصبحون أعداء الإنسان، ويفتحون النار على بعضهم البعض، ويرتكبون أعمال القتل ويحاولون تدمير الآخر.

وهنا تكمن مشكلة أبناء بلدي الأذربيجانيين. فقد عاد بعضهم إلى همجيتهم ويتوعدون الموت في وجه الأرمن. يعتقدون أن عليهم أن يقرروا نيابة عن الجماهير. إنهم يجلسون في برجهم العاجي ويحاولون مصادرة عقول الجماهير بشعارين يؤجج العواطف لصالح أفكارهم الرجعية والبربرية. إنه لا يريدون الموت لأنفسهم ولكن للآخرين.

لكنني عندما أسمع مفردة الأرمني، أعود لا شعورياً إلى حي "بارون آفاك" في تبريز. وأتذكر أصدقائي الأرمن. أفكر في المواطنين الذين عاشوا في صداقة ومودة مع الأرمن لسنوات. كما أفكر في الحركة الدستورية التي قاتل الأرمن أنفسهم إلى جانب الشعب الأذربيجاني وفي أجزاء أخرى من إيران من أجل تحرير إيران. الآن، ومع ذلك، ومن المؤسف ومن تبريز نسمع شعار "الموت للأرمني". لابد أن رائحة الدم قد اختلطت برائحة الأموال المشبوهة. إذ يجب بيع الأسلحة. تستغل حفلات صنع السلاح لتأجيج المشاعر لصالح هذه الأصوات المشبوهة.

في الوقت الذي يمكن أن يكون شعار السلام والصداقة والإنسانية شعارا شعبيا بعيدا عن الحكام، ويصبح التعايش بين البشر من أهم مبادئ المجتمعات البشرية، فإنه لمن السخف أن تصبح قطعة من الأرض ذريعة لقتل البشر. بالنسبة لي، فإن قيمة البشر هي أكثر قيمة من أي قطعة أرض أو حدود. من هو المسؤول اليوم عن ملايين العائلات الإيرانية والعراقية التي قضت في الحرب العراقية الإيرانية؟ من يستطيع أن يقول لماذا شرد نظام بشار الأسد الإجرامي الكثير من أبناء الوطن بذريعة الدفاع عن الوطن؟  لذا، يا صديقي العزيز وعلى الرغم من حسن نيتك، دعني أخبرك بكل إخلاص: أنا إنسان، وأقدر الإنسان والإنسانية. العِرق واللغة والأرض والدم والجنس ولون البشرة لا قيمة لها بالنسبة لي. ولدي تجربة حسن الجوار والصداقة مع الأرمن. إن المنازعات الأرمنية والفارسية والأذربيجانية ما إلاّ هي وليدة العقول المريضة.

أتذكر الأرمن العشرة في قريتنا. فقد أدار عدد قليل منهم جميع الأعمال الفنية في القرية. كان أحدهم يعمل على إصلاح الآلات، والآخر يشحذ المقص والسكاكين والمناجل والمناشير، والآخر يعمر ماكينة الخياطة القديمة لوالدتي. أي أن الصناعة في قريتنا كانت في أيدي الأرمن. وقد عشنا مع هؤلاء الأحباب في سلام وصداقة. إنه لعار على أن أرفع شعار الموت للأرمن الآن. إنني لا أصرخ من أجل المطالبة بموت أي إنسان. ما أتمناه هو الحياة لهم.

صديقي العزيز! إن الحق في حياة كريمة وإنسانية للجميع هو شعاري، وليس هناك أي استثناء في هذا الشعار.

عرض مقالات: