حين نقف أمام حدث عظيم في مسيرة العراق وشعبه ، للسير قدما وبخطى حثيثة نحو صنع حاضر ومستقبل العراق وشعبه ، بعد مخاض مؤلم عسير امتد لعقود ، فتكلل بثورة الشعب الجبارة في الأول من تشرين الأول 2019 م ، يقودها ويتصدر نضالاتها الفتيان والفتيات بصدور عارية وبعزيمة قوية وإصرار على انتزاع حقوقهم المغتصبة المصادرة من قبل مجموعة من اللصوص والفاسدين الطائفيين العنصريين والقتلة الظلاميين المتحجرة أفكارهم وثقافتهم الميتة منذ قرون .

هؤلاء الثائرون الصامدون تعرضوا إلى أبشع هجمة بربرية إرهابية فاشية ، من قبل أعتى نظام رجعي ظلامي قاتل طائفي فاسد !..

تصدت هذه الملايين العارية الصدور، المتظاهرين السلميين لهمجية وسادية وحقد وكراهية هذا النظام القاتل وميليشياته وعصاباته المجرمة ، تصدوا لهذا القمع والرصاص ولخراطيم المياه الساخنة وقنابل الغاز المحرمة دوليا استخدامها ضد المتظاهرين ، والهراوات وبنادق الصيد وغير تلك الأساليب المنافية لكل الأعراف والقوانين النافذة والمخالفة للدستور وللقانون ، وللمواثيق والأعراف الدوليين .

ونتيجة هذا القمع والقتل المتعمد سقط المئات من القتلى والألاف من الجرحى على يد حكومة الإسلام السياسي والمتحالفين معهم ورئيس مجلس وزرائهم الدكتور عادل عبد المهدي والذي يتحمل وحكومته المسؤولية كاملة عن قتل أكثر سبعمائة ( 700 ) ضحية من المتظاهرين والمتظاهرات السلميين ، وأكثر من ثلاثين ألف جريح ومصاب ومعوق ، لا لشيء سوى لأنهم يطالبون أن يكون لهم وطن يعيشون فيه بكرامة وسلام أمنين ، وتتوفر لهم الحدود الدنيا من العيش ، فهل هذا كثير عليهم ؟..

رغم كل الذي جرى وحجم الجرائم المروعة والتي شهد عليها العالم أجمع ، لليوم لم يقدم أحدا من هؤلاء المجرمين إلى العدالة ولم يشاهدهم أحد ماثلين أمام القضاء ، ويظهروهم في الإعلام والقنوات الفضائية ، كما شاهد العالم كيف يتم قتل المتظاهرين وبدم بارد ودون وازع من ضمير وأخلاق ودين وشرف .

هنا أتساءل كما غيري الألاف !!..

من كان يقوم بالقتل والخطف والاعتقال والترهيب والاعتداء على هؤلاء المتظاهرين ؟..

من أصدر الأوامر بإطلاق النار واستخدام الوسائل الأخرى الغير مشروعة ؟..

من الذي كان يقوم بحرق الخيم في ساحات التظاهر ويطلق الرصاص من بنادق الصيد ، ومن هو هذا القناص الذي يقوم بعمليات القنص والقتل وأمام القوات الأمنية ومكافحة ( الشغب ) ويقوم بخطف الناشطين والناشطات من ساحات التظاهر ؟..

لماذا لم تُقَدًمْ حكومة عادل عبد المهدي والقادة الأمنيين إلى العدالة كونهم مجرمي حرب ضد الإنسانية ، والمسؤولين عن إبادة المتظاهرين ، بالرغم من مرور عام على تلك المجازر وما تبعها كان أعظم .. لماذا ؟؟..

وعلينا أن نقول الحقيقة وأن لا نخفي شيء منها وتحت أي اعتبار :

قبل كل شيء نحمل السلطة القضائية المسؤولية المطلقة عن عدم متابعتها لما ارتكب من جرائم بحق شعبنا وساحات المتظاهرين ، وإخفاقه الواضح والمتعمد في كشف تلك الحقائق الدامغة والواضحة المعالم ومرتكبيها ودوافعها السياسية ، وسبب هذا الإخفاق هو التأثير السياسي من قبل النظام وأحزابه الحاكمة على القضاء ، وهذه كارثة ومصيبة كبيرتين ، وأعتقد على القاضي عندما لا يتمكن أن يحقق العدالة فمن الواجب عليه أن يترك وظيفته ويتخلى عن هذه المهمة القانونية والأخلاقية والشرعية .

على العالم أن يدرك حقيقة ما يجري من 2003 م وحتى الساعة ، وما ارتكب من جرائم بحق الشعب ، هو النظام السياسي الذي يحكم العراق من 2006 م وحتى اليوم [ الإسلام السياسي الشيعي وأحزابه الإسلامية ] ويتحملون كامل المسؤولية عن الحرب الأهلية الطائفية في 2005 و2006 وحتى 2010 م وما زالت بقاياها وثقافتها ماثلة للعيان وبصور وأشكال مختلفة .

الفساد المالي والإداري والساسي والأخلاقي والمحاصصة والطائفية والتمييز يتحملها والمسبب لكل ما بيناه هو نظام الإسلام السياسي وثقافته الظلامية الميتة المتخلفة .

الانهيار الاقتصادي والصناعي والزراعي والخدمي والبطالة والفقر والأمية والصحة والتعليم ، هذه وغيرها سببه جهل وفساد وخيانة القائمين على إدارة ( الدولة ) والغياب الكامل لأي مظهر من مظاهر ( بناء دولة المواطنة أو أي شكل من أشكال الدولة ) وهذا ناتج عن محاولات ترسيخ بناء الدولة الدينية والرأي الواحد وإلغاء الأخر .

ونحن نعيش عشية الفاتح من أكتوبر المجيد ، والعراق تعصف به وبشعبه رياح عاتية صفراء ، انهيار اقتصادي وجائحة الكورونا اللعين والوضع الأمني وقوى الإرهاب المتمثلة بداعش ، والميليشيات الطائفية والعصابات المجرمة من سلاح ومخدرات وتجار البشر والجريمة المنظمة ، وتحديات التدخلات الخارجية ومحاولات إقحام العراق في أتون حرب بالإنابة على الأرض العراقية ، من خلال الميليشيات الولائية والفصائل التي تدين بالولاء لإيران وولاية الفقيه ويعتبرون أنفسهم إيرانيين أكثر من الإيرانيين وهؤلاء لا ينكرون ولائهم لإيران ويعلنوها جهارا نهارا .

إن كان في نية السيد الكاظمي رئيس مجلس وزراء العراق أن يبدأ بحق في إعادة بناء دولة المواطنة !..

فما عليه إلا بالعمل فورا ودون تأخير بحل كافة الميليشيات الطائفية ومن دون ذلك فلن يستقر العراق حتى بعد مئة عام أخرى .

كذلك الكاظمي عليه القيام بإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية والمخابرات وعلى أساس الوطنية والكفاءة والمهنية وأن تكون مستقلة .

أما عن الانتخابات وما يجري في البرلمان منذ أشهر وصراع الكتل والمصالح لكل طرف وبعيدا عن مصالح الناس وما يعانوه من ضنك العيش وعسر الحياة والفقر الذي يعيشه شعبنا ، فهذا موضوع ذو شجون !..

أقول للحكومة وللقوى السياسية التي تدين بالولاء للعراق ولمصالح العراقيين !..

هذا البرلمان الذي جاء عن طريق انتخابات مزورة والجميع يعرف ذلك وبنسبة مشاركة تقل عن 19% فالحقيقة إن هذا البرلمان لا يمثل إرادة الناس ولا يعكس حقيقة ثقل القوى الوطنية والديمقراطية ، ولم تتوفر أجواء حقيقية تسمح للناخب بالاختيار والتعبير عن إرادته ، وهذا يعني بأن محاولات القوى المتنفذة فرض ما تراه يتناسب مع مصالحها ، فلا أعتقد بأن هؤلاء الفاسدين سيعملون على قيام انتخابات نزيهة وشفافة وبإشراف دولي ، ولن يسمحوا بتوفير شروط انتخابات نزيهة وعادلة ، والخيار لكم وستلمسون ذلك لاحقا .

وأعتقد على القوى الوطنية أن تقف ضد حق التصويت للقوى الأمنية والعسكرية والمخابرات والمقيمين خارج العراق ، فإن تزوير تلك الانتخابات وارد كما فعلوا في انتخابات 2018 م .

أما شعبنا وثورته المباركة وثوارها الأبطال ، فأمامهم طريق واحد لا ثاني ولا ثالث ولا رابع ...

الاستمرار في زخم التظاهرات ودعوة الشرائح الاجتماعية المختلفة وفي مقدمتهم الطلبة والشباب وشريحة المثقفين والعمال والفلاحين ، دعوتهم للمشاركة الفاعلة وعدم التخلف لتحقيق الأهداف المرجوة من ذلك .

وحدتكم أساس انتصاركم وتحقيق الأهداف المراد تحقيقها ، توحيد شعارات الانتفاضة الوطنية بما يجسد وحدة العراق ودولته الوطنية الديمقراطية ويرفع الحيف عن غالية أبناء وبنات شعبنا ويحقق أمالهم وطموحاتهم في العيش الكريم .

يجب أن تستمر الانتفاضة وزخمها المتصاعد في الكم والكيف والتأكيد على وحدكم وتماسككم وسلمية أنشطتكم وما تقومون به من فعاليات تساهم في شحذ الهمم وتجميع الطاقات وعدم السماح في اختراق صفوفكم من قبل القوى والجماعات والأفراد المعادية لشعبنا ولكفاح ونضال الثوار والثائرات .

عاشت ثورة تشرين المجيدة وثوارها الأبطال وثائراتها الغيورات النجيبات .

المجد لشهداء انتفاضة تشرين ولشهيداتها ، والشفاء للجرحى والمصابين ، والحرية للمختطفين والمعتقلين .

الخزي والعار والموت لقتلتهم المجرمين .

النصر حليف شعبنا وقواه الديمقراطية في تحقيق النصر على مستغليهم وسالبي حريتهم وسعادتهم وأمنهم