لم تعد وظيفة المستشار عنوانا طارئا كما كانت على ملاك الوظيفة الحكومية قبل عام 2003 ، بل أصبحت جزءا مكملا لعمل المسؤول بل يتفوق عليه في مسألة اتخاذ القرار، والسبب بالدرجة الأولى يعود الى امتهان الوظيفة العامة وتعيين من لا يتمتع بالكفاءة والخبرة لهذا المنصب او ذاك ، وقد توسعت هذه الوظيفة دون سماح قانوني بفعل إرادات الأشخاص المتنفذين لا بفعل قواعد قانونية ، وقد توسعت في اغلب دوائر الدولة ابتداءً من دواوين الرئاسات الثلاث وصولا الى دوائر لا تحتاج لوظيفة مستشار، وقد تم تعبئة الدوائر بالمستشارين لأسباب عديدة اهمها فقدان الكفاءة والخبرة لدى المسؤول، كما ان هذه الدرجة اصبحت بغض النظر عن خبرة وكفاءة المستشار محلا لتعيين الحزبيين، والفاشلين في الانتخابات من السياسيين، والأقارب والمحسوبين على المسؤولين، وغيرهم ممن يبحث عن الوظيفة والراتب المجزي والتقاعد على حساب الدولة، او من يراد له إكمال خدمته للوصول إلى سن التقاعد او الحد الزمني لهذا التقاعد، وقد تفنن المسؤولون في خلق الدرجات وطرق تعبئتها ووسائل دفع رواتبهم.
الأصل وفق تعريف الوظيفة العامة أن الموظف اي موظف لابد له أن يكون ملما بدقائق وظيفته، والمنطق الإداري يسلم بمبدأ تراكم الخبرة زائدا الشهادة زائدا التألق الوظيفي للموظف الذي تبوأ الأعلى من المناصب، وكان المدير العام مثلا محاط بمعاونيه كل يقدم له الاستشارة حسب الاختصاص والخبرة، وله ان يتخذ القرار، والموظف المتميز الذي قطع خدمة طويلة في الدائرة يمنح درجة خبير، وهو عادة ما يلم بجميع تفاصيل عمل دائرته من الفها إلى يائها، وهو الأقرب إلى المدير العام او كيل الوزارة او حتى الوزير وهو بذلك يكون بحق مستشارا عند حسن الظن، اما دواوين الرئاسة ومجلس الوزراء فكانت وظيفة المستشار قليلة فيها او في بعض الاحيان كادت لاتذكر..
اليوم يجد المراقب ان المستشارين منتشرين في كافة الدوائر ابتداءً من مجالس المحافظات وصولا الى ديوان الرئاسة، وفي اغلبهم لا تنطبق عليهم مواصفات المستشارية، ولا نعلم اذا كان ذلك قد نظم بقانون، فقد عثرنا على قانون تنظيم عمل المستشارين بلا رقم لعام 2017 الصادر عن مجلس النواب وقد جاء بالفقرة الاؤلى من المادة .1. منه، لكل من مجلس النواب ورئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء عدد من المستشارين بمكاتب مختصة لكل مستشار وبدرجة خاصة عليا، ولا يزيد عددهم على(6 ) يرتبطون ارتباطا مباشرا برئاسة الجهة المعنية، نعم ان يكونوا بدرجة خاصة ، لهم مكاتب ومدراء عامين وسكرتارية وموظفون، وهم من المختارين ممن أنعم عليهم القيادي الحزبي او رئيس الدائرة بالنعم لتقديم المشورة للجاهل والغير العارف بوظيفته، او ان يكون المستشار يحمل ذات الشروط ولكنها شروط معدة ومزورة كالشهادة المزورة والخبرة المزورة . وجاء في القانون اضافات ان تكون الاولوية في التعيين بدرجة مستشار لمن شغل منصب وزير او درجة وزير، وهذا الشرط غير المقيد يعيد الوزراء الفاشلين والفاسدين للوظيفة (وهم كثر) اضافة الى تقدمهم لأشغال هذه الوظيفة على حساب الكفاءة والخبرة الحقيقية.
ان الوظيفة العامة في الدولة منذ التأسيس كانت وظيفة يحدد أبعادها القانون وتمارس وفقا للقانون والذي يعين فيها يجب ان تنطبق عليه شروط ممارستها وأولها الكفاءة والشهادة العلمية والدرجة وفق التوصيف الوظيفي والملاك، والموظف يعين فيها من قبل مجلس الخدمة بعد اجتيازه لامتحان الكفاءة ، وبمرور الزمن وبسبب تقلد الموظف الدرجات الأعلى وفق استمارة التقييم السنوية، يكون الموظف قد استحق تدريجيا الوظيفة الاعلى ليصبح خبيرا بعمله ومستشارا لمرؤوسيه، وصولا الى معاون المدير العام ومنها الى تقلد الدرجة الاولى في الدائرة ، (المدير العام )، عليه فان درجة المستشار اليوم انما هي درجة البطر وهي زائدة على الملاك، وأعدت للبطران، وهي في الكثير من الاحيان تعد عامل عرقلة وتأخير لاعمال الدائرة ، والباحث كثيرا ما يشاهد المستشار يصول ويجول متبخرا بين الموظفين، او ربما ملزما اياهم لمساعدته في الافتاء بقضية فنية معروضة عليه لا يعرفها وانها خارجة عن كفاءته وهو المستفتى الفاشل فيها ، فالدائرة القانونية هي مستشارك في الشؤون القانونية، والدائرة الإدارية هي الجهة التي تستشر في أمور الإدارة، والدائرة المالية هي الجهة التي تفتي في الأمور المالية وهكذا الدائرة الفنية والتجارية في القطاع العام .فلتكن الوظيفة العامة أمانة قبل ان تكون موضوعا تتحول فيه الى مكر وخيانة....