مضى على اصدار الدستور العراقي الحالي، مايقرب من العقد ونيف من السنين. وقد ولد ملغوماً ويفتقر تشكيله واقراره للاجماع الوطني. ومع ذلك لا يخلو من المواد الصالحة بل ويمكن وصفها بأنها تنتسب الى لب الديمقراطية اذا ما احسن تطبيقها. وعند هذه العتبة اقتضى الفرز والتأشير على بعض تلك المواد الدستورية التي يتأبط لها شراً من قبل الاوساط المتنفذة، من خلال عملية التعديل وان كانت صواباً. الا انها قد جاءت لغاية في نفس الاوساط اللاعبة المتلاعبة فيما سمي بـ " العملية السياسية ".. مقصدنا في ما نتناوله هي المادة الدستورية {76 الفقرة اولاً } . المعنية بتكليف الكتلة الفائزة بالانتخابات لتشكيل الحكومة. لقد تعرضت الى التلاعب والاختراق الفاضح. كما ان العديد من مواد الدستور الاخرى لم يكن نصيبها اقل تجاوزاً وتلاعباً . بمعنى تغيير جوهر ما تعنيه الى الشكل الذي يخدم مصالح المتنفذين.
يبدو في هذه المرة تتعرض ذاتها الى استهداف له مغزى مختلف أقل ما يقال عنه، غير نزيه، وان كان ظاهره" التعديل " مطلوباً ويمكن ان يرحب به، الذي مفاده اعادة مفاعيل جوهرها الى ما حدده الدستور، الذي يحكم: بان تأخذ الكتلة التي تفوز بالانتخابات حقها في تشكيل الحكومة. وليست الكتلة التي تتشكل بعد اجراء الاقتراع. عليه أصبح من اللازم ان تكشف الدوافع المخفية لهذا الاهتمام القاضي لارجاع مفعول المادة " 76 اولاً " الى مضمونها الدستوري. ان ابرز ما يلفت الانتباه حقاً لهذا الانشغال الساخن كونه قد جاء من قبل ذات القوى السياسية التي تلاعبت بها وعوّقت فعلها المشرّع دستورياً، ابان انتخابات عام 2010 على اثر فوز "القائمة العراقية" واعطاء حق تشكيل الحكومة لغيرها.{ كتلة التحالف الوطني} التي تم تشكيلها في البرلمان بعد الانتخابات. بدافع ابقاء رئاسة مجلس الوزراء لطائفة محدد بعينها دون غيرها. و ذلك ليس ببعيد عن النفس الطائفي المقيت والتدخل الاقليمي.
وعودة على بدء. ان الجهود التي تبذل حالياً وتحت واجهة التعديلات لبعض المواد الدستورية، وبخاصة استهداف المادة " 76 اولاً " ليس سوى العمل على تصدي ماكر لفقرة " الترشيح المباشر " الذي جاء في قانون الانتخاب الجديد، وهو مطلب جماهيري، " وجعله كأنه غير واقعي وتتبرر الدعوة لالغائه، لانه من الصعوبة البالغة تشكيل الكتلة الاكبر في سياقه. ومن ثم يصبح معطلاً ولا يتلاءم مع غاية تشكيل الحكومة، وفقاً لما نص عليه الدستور. وفي خضم ذلك نصل الى منعطف ملتهب يحتدم فيه الاصتدام بين منطوق الدستور وبين نصوص نظام الانتخابات. لذا توجب التصدي من الان لهذا التلاعب وطرح معالجة مسبقة، بغية قطع الطريق على من يهدف عرقلة اجراء الانتخابات المبكرة واحباطها، كواحدة من مطاليب حراك الشارع المتفض. ان كل ما اشرنا اليه ما هو الا تجليات لمساع متوحشة مذعورة لايقاف مجرى الانتفاضة. مما يدعو ايضاً الى عدم الاكتفاء بالمعالجة فحسب. انما يجدر التحذير من خلق الفوضى المرسوم لها كآخر وسيلة لايقاف زحف عصف التغيير الذي تتلبد سحبه الواعدة في سماء العراق.
ان كل الدسائس والاحابيل سواء جاءت خلف ادعاء تعديل الدستور او اعادة النظر بقانون الانتخابات فضلاً عن اهمال تعديل قانون المحكمة الاتحادية، او تغافل تعديل قانون الاحزاب، كلها تصب في مجرى ابعاد الانتخابات المبكرة والتشويش على حملة "اللجنة الخاصة" لمكافحة الفساد التي تشكلت مؤخراً، وبدأت حسنأ، وستمضي الى غايتها لتصفية الفساد والمفسدين.. لنرى غداً والغد لناظره قريب