القتل لاي سبب من الأسباب يُعد جريمة في كل المقاييس الإنسانية  لأنه يهدف الى سلب الانسان حقه الطبيعي في العيش وسلب حياته وجعله رقماً في العدم النهائي، وهو امر مؤلم ومحزن بدء من العائلة وثم المجتمع ، الانسان أثمن رأس مال واغلى قيمة في العرف البشري العلمي لأنه صانع التاريخ وباني الحياة ومنظم الحاضر والمستقبل وله دور أساسي في التنمية والتطور والبناء وهذه القيمة العالية الصنع لها دورها الفاعل والايجابي في خلق منظومة عالية التقنية في العلوم والطب والاختراعات الصناعية والتكنلوجية وفي مجال الثقافة والفن ونظرة بسيطة الى الصرح المعماري والفني المختلف نجد أي قوة عظيمة يمتلكها العقل البشري على المستوى الفردي او العام ليقوم بتعديل صور وواقع العالم القديم  الموضوعي المادي والحسي، لقد عانت المجتمعات البشرية منذ ظهور الطبقات من أصناف التجاوز على حقوقها المشروعة وتفننت الطبقات الاستغلالية في إيجاد أنظمة سياسية قمعية لتثبيت سلطتها وحماية سرقتها بجانب آلاتها القمعية الجيش والشرطة والأمن والمخابرات والفرق الأمنية الخاصة وآلاف الوكلاء والمخبرين ومنظمات مسلحة سرية وعشرات السجون والمعتقلات والقوانين الجائرة كل هذا الإرهاب وكل هذه الإمكانيات والسيطرة والقرارات فهي لم تترك الاغتيال السياسي بل تطورت هذه الإمكانيات وجددت الأساليب ولها طرقها واناس مجربين لا ذمة ولا ضمير لهم والتاريخ حافل بهذه الجرائم وللعراق وبخاصة بعد ثورة 14 تموز / 1958 شهد موجات من الاغتيالات من قبل أعداء الثورة وبخاصة القوى القومية المتطرفة وفي مقدمتها البعث وبدعم من الرجعية والاقطاعية التي تضررت مصالحهم جراء الثورة، وقد شهدت الموصل كارثة الاغتيالات التي طالت الشيوعيين والديمقراطيين وحتى المستقلين الذين كانوا بجانب الثورة كما انتقلت الاغتيالات الى مناطق أخرى في البلاد لكنها كانت اقل بكثير لأسباب كثيرة ، اذن الاغتيالات تحصيل حاصل للسياسة القمعية الإرهابية والعنف المافيوي السياسي وهذا ما حصل بعد انقلاب 8 شباط 1963 ، واستمر النهج بتفاوت وصولاً للانقلاب الثاني 17 / تموز / 1968 للبعث وحلفائهم المرتبطين بالقوى الاستعمارية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والانجليزية، وحصيلة نتائج الاغتيالات في  هذه الفترة كثيرة ومتنوعة فقد تم اغتيال ناصر الحياني وحردان التكريتي وحازم جواد وغيرهم من بعثي النظام او حلفاء البعث،  وتم اغتيال كوادر وقادة شيوعيين ونقابيين نذكر منهم شاكر محمود و ستار خضير والخضري وآخرين إضافة الى الاغتيال داخل المعتقلات بعد خطفهم وهم كثر نذكر منهم دكتور صفاء الحافظ عالية ياسين وصباح الدرة ولشديد الأسف وبسبب ضيق الموضوع لا نستطيع ذكر العشرات ممن اغتيلوا او اعدموا في السجون والمعتقلات وقد صدرت العديد من الكتب والوثائق التي ذكرت بالتفصيل الأسماء والتواريخ ومنها كتب أصدرها الحزب الشيوعي العراقي حول شهدائه  وقسماً من الاغتيالات. ثم جاء الاحتلال وسيطرة أحزاب الاسلام السياسي وميليشياته الطائفية والقوى الإرهابية وفلول النظام السابق التي أصبحت شبه مافيا انحصر نشاطها في القتل والاغتيال والتفجير وتنوع الجريمة وانتشارها مما استدعى لجنة حقوق الانسان النيابية في (16 ايلول 2020)، التأكيد حول اغتيال الناشطة الدكتورة شيلان دارا ** رؤوف ووالديها، حيث كانت شيلان دارا تعمل في مدينة الطب قسم الامراض السرطانية وهي كانت مسعفة الاحتجاجات لمتظاهري تشرين في وسط بغداد  

بأن "ازدياد معدلات الجريمة وعدم وجود رادع قوي للحد من الجرائم الوحشية اعطى الفرصة لضعاف النفوس باستغلال الوضع العام سياسيا واجتماعيا في البلد"، وهنا وفي المجال السياسي اصبح الاغتيال نهجاً لدى أكثرية التنظيمات التابعة وبخاصة المتنفذة وهو عبارة عن جريمة لا تعبر إلا عن العنف والبطش والقسوة وازاحة الاخر بسبب أفكاره او مبادئه السياسية والفلسفية او اختلاف الأديان والقومية والطائفية والمذهبية او في سبيل مصالح ضيقة وذاتية ، العراق ابتلى بهذه البلوى التي أصبحت كداء مرض صعب الشفاء وثبت في الواقع انه ليس مختص بالمنظمات الإرهابية فحسب انما قامت وتقوم به الميليشيات الطائفية وان عشرات الاغتيالات كانت من نصيب هذه الأخيرة حتى التفجيرات والصواريخ والهاونات تقاسمتها الميليشيات مع المنظمات الإرهابية وخير مثال الصواريخ اليومية التي تهطل على المنطقة الخضراء والبعض من المناطق والحجة المضحكة جداً " القوات الأجنبية " الاغتيالات التي تحدث باستمرار ضد الناشطين للحقوق المدنية او المشاركين في المظاهرات وانتفاضة تشرين حتى اصبح الامر كارثة حقيقية يثير تساؤلات وفي مقدمتها...

1ـــ لماذا الحكومات المتعاقبة ساكتة وهي تعرف من يقوم بالاغتيال والاعتقال والخطف؟

2ــــ هل هناك أيدي خفية تدير عمليات الاغتيال والعنف من قبل البعض من الأحزاب المتنفذة او مسؤولين كبار في الدولة ولهذا تصمت الحكومات؟

 3ـــ ما سر هذا التعتيم على الجهات والاسماء التي تقوم بالاغتيالات؟

4 ـــ هل من المعقول منذ اول حكومة للمحاصصة لا يعلن او يلقى القبض على المسؤولين عن الاغتيالات وهم محميين من قبل الأجهزة الأمنية المخترقة؟

5 ـــ اذكروا لنا اسم لجنة تحقيقية شكلت من قبل جميع الحكومات وهن كثر قدمت تقارير واضحة وأعلنت عن نتائج تحقيقاتها وأسماء القتلة؟

وبعد ان طفح الكيل وأصبحت الجرائم المتنوعة تزكم الانوف وظهرت لجميع المواطنين من هي الجهات التي تقوم بالاغتيالات والخطف أصدر القضاء الأعلى احكامه " بحق المتورطين " لكن نسأل ـــ من هم؟ " كي تطبق بحقهم "الإجراءات القضائية المتخذة من قبل الهيئات التحقيقية القضائية المختصة بقضايا التظاهرات تضمنت صدور (٤) احكام بين الإعدام والسجن وصدور (49) مذكرة قبض لم تنفذ إلى الآن وتوقيف (25) متهما بتلك القضايا قيد التحقيق والمحاكمة حاليا"   ألا يثير العجب هذا الحديث حول  "مذكرة قبض لم تنفذ إلى الآن وتوقيف (25) متهم بتلك القضايا قيد التحقيق" أليس عدم التنفيذ يدل على وجود تلكأ مقصود ومدعوم كي يفلت المجرمون من العقاب، ويدعم قولنا ملا طلال المتحدث باسم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عندما صرح يوم الاثنين 14 / 9 / 2020 مؤكداً " التوصل لبعض الخيوط لتحديد أشخاص في قضية اغتيال المحلل السياسي هشام الهاشمي، وأنه سيتم قريبا تشكيل لجنة تقصي الحقائق لمعرفة قتلة المتظاهرين، كما ستتم الإطاحة بأسماء مهمة وإحالتها للقضاء بسبب الفساد"، هذا التصريح جيد جداً لكن ليخبرنا السيد ملا طلال ـــ متى سيتم ذلك؟ وهل اللجنة التحقيقية ستكون مثل غيرها يعلن عنها ثم تنسى وتصبح في خبر كان؟ ـــ هل سيستقيم الموضوع حسب تصريح عضو برلماني وكأنه جواب لتصريح نايف الشمري رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الذي قال " إن متابعة الخروقات الأمنية، بما فيها عمليات الاغتيال، تُعَدّ من اختصاص لجنته «بينما قال مثلما أشرنا عضو برلماني آخر بتأكيده لـ " للعربي الجديد " أن الحكومة تعرف الجهات التي تنفذ الاغتيالات، وتطلق الصواريخ أيضاً، لكن الإعلان عنها سيكون معناه أزمة سياسية تفتح على حكومة الكاظمي باباً قد لا يمكن إغلاقه". بشكل واضح الخوف من فقدان الهيمنة والسيطرة والسلطة ولهذا يجب ان تقوم السلطات بالإجراءات التي اشارت لها رسالة الحزب الشيوعي العراقي الى رئيس الوزراء وهي..

 "ـــ الكشف عن نتائج التحقيقات بشأن قتلة المتظاهرين والمحتجين، وإحالة المسؤولين عن ارتكابها إلى القضاء، وإزالة الغموض الذي يلف ادعاءات وجود طرف ثالث تعجز الأجهزة الأمنية عن تحديده"  

هكذا اذاً سوف يسدل الستار على الجرائم التي تقوم بها جهات تعرفها الحكومة حق المعرفة كما في كل جريمة، بحجة تحقيق اللجان التحقيقية التي تغنت بها السلطات المتكررة والتي لم تعلن يوماً عن أي نتائج تحقيق حتى لو كان سطراً واحداً بينما تستمر عمليات الاغتيال والقتل ويعثر على جثث نساء او رجال ويسجل بعدم معرفة الهوية والأسباب بينما نشاهد بحق الكمية الكبيرة للأجهزة الأمنية واسلحتها المتطورة، فكيف يكون وخلال اكثر من 17 عاماً ولم يلقى القبض او يعلن عن اسم او جماعة تقوم بالاغتيالات وبخاصة السياسية كي يقدموا للقضاء؟ ما هذا الطلسم الغريب في عمل الحكومات ولجانها التحقيقية؟ والانسان باغتياله يفقد سلسلة من حاضره ومستقبله وينتهي الى العدم الابدي ويُقطع الطريق عن مساهمته التي تفيد الحياة وبخاصة في مجال البناء والتقدم والروح الوطنية.

ـــــــــــــــــــــ

**ظهر قاتل الناشطة شيلان دارا رؤوف في فديو غريب وذكر اسمه (مهدي حسين ناصر مطر) وزارة الداخلية امن حماية السفارة الروسية/ من خلال اعترافاته بسيناريو متناقض هدفه  أغرب  حسب ما ذكرته العديد من وسائل الاعلام، والجريمة هذه سبقتها موجة من الاغتيالات منها اغتيال الخبير هشام الهاشمي وفي البصرة رهام يعقوب وغيرهم!

عرض مقالات: