لا توصيف لمعارضة المحاصصة من قبل اصحابها الا بخرافة لن تنطلي على عاقل، كما انها مفارقة تدعو للاستغراب في الوهلة الاولى، قبل ان يماط اللثام عن الحقائق الطاعنة التي ليست مجهولة بقدر ما انها خاضعة لحالة من التستر الماكر. ولكي يعرف مدى خطورتها ينبغي ازاحة غطاء التضليل دون تردد، الذي لا يعدو عن كونه " ورقة توت " يابسة ليست بمقدورها البقاء امام رياح التغيير العاصفة المتمثلة بالانتفاضة المتواصلة حتى قلع الجُناة ذاتهم .ومن باب التأكيد على الدلالة يمكننا العودة الى حكاية رفض سابقة تتشابه مع ما يجري اليوم .. فحينما اقدم السيد رئيس الجمهرورية " برهم صالح " على تكليف السيد "عدنان الزرفي" لتشكيل الكابينة الوزارية دون اخذ رأي الكتل المتسلطة قامت الدنيا ولم تقعد. الى ان تخلى السيد " المكلف" عن المهمة.
اليوم تتكرر " الدراما الخائبة ". ولكن هذه المرة حصلت باكثر مرارة على المعترضين حيث انهم غير قادرين على الغاء التعينات في مضمار الدرجات الوظيفية الخاصة، لكونها قد جاءت ضمن صلاحياته رئيس الوزراء ومحمية بـ " صفة الوكالة " التي بمنأى عن مصادقة البرلمان، الذي هو مضروب بلوثة المحاصصة ايضاً. اما ما تم من تعينات متلبسة برداء المحاصصة الى حد ما علماً انها جاءت بعيدة عن استشارة الكتل المتنفذة حول تكليف بعض منتسبيها. ومن هنا جاءت الاعتراضات الا انها متسترة بذريعة لا تمت بصلة لمنطلق الرفض. وبذلك قد تجسمت شراهة هؤلاء ومدى تشبثهم بالسلطة والنفوذ والفساد واستمراء الجفاء لمصالح الشعب. فاذا كانوا يسمونها محاصصة اذن مع من تمت. ولماذا ظهرت معارضتهم وهم طيلة سبعة عشر عاماً ينعمون بامتيازاتها ؟. وحقيقة لابد ان تقال ان ما استفزهم اكثر هو تخطي الكاظمي للخطوط الحمر في امر التعيين ضمن الاجهزة الامنية من طائفة ثانية. وهذا هو بيت القصيد. وما يعزز هذه الواقعة .. هو لم يجرؤ في صولة التعينات على الالتفات الى اصحاب الايادي البيضاء والعلمانيين وهم كثر من القوى المدنية الديمقراطية. علماً انهم يمتلكون كفاءات علمية، عالية وفي مختلف الاختصاصات. لكنه اصر على حصر اختياراته قطعاً من بين اوساط الكتل المتنفذة المتسلطة وحواشيها. و طالما هو يدعي بأن خطواته تستهدف محاربة الفساد واجتثاث المفسدين ؟! . اذن لماذا قصد تدوير الاشخاص من صلب انتماءات الكتل الفاشلة ذاتها. وربما اخذه ظنه كما يبدو، بخطوته هذه سيوفي بمطالب الجماهير التي تدعو لتغيير الوجوه الكالحة الفاسدة حتى بصورة مجردة من ناحية، وتحقيقاً لرغبة الكتل المتسلطة من ناحية اخرى لانه قد جاء بالبدائل من ذات الرهط المرفوض شعبياً. وبمعنى من المعاني، عدم الخروج عن السيناريو الذي رُسم لمسيرته، و اقتصار مهمته على اتمام " عملية اخراج القوات الامريكية وانجاز الانتخابات المبكرة، و اعادة هيبة الدولة" وهذه الاخيرة تعني لدى هؤلاء المتسلطين، قمع المتظاهرين وانهاء الانتفاضة. كهدف معاكس لمطلب الشارع المنتفض الداعي لمحاسبة قتلة الثوار المتظاهرين. بغية حصول مزاج جماهيري رافض لشخص الكاظمي. غير انه لم يتحسب لذلك. ولا يفوتنا ان نشير الى انه قد اراد من جانب ثالث ان يكسب رضا الاوساط السياسية في المناطق الغربية ايضاً، بتحقيق مطلب لهذه الاوساط طالما تنادت به. وهو اقامة توازن في القرار الامني. وهذا ما تبين بتعيين اشخاص من كتلهم في الاجهزة الامنية مثل " خالد العبيدي في جهاز المخابرات، وفالح العيساوي في جهاز الامن الوطني" مستغلاً فرصة صدور بيان "المرجعية" ومن دونها كان من الصعوبة البالغة ان يحقق هذا الامر.
على اي حال فان السيد رئيس الوزراء واقع بين مطرقة المنتفضين وسندان الكتل المتسلطة التي وافقت على توزيره، ولا يفسر التردد الغالب عليه في اتخاذ القرار بغير هذا السبب. الا انه قد بات متناسياً بأن الذي جاء به الى هذا المقام هو ضغط الانتفاضة، التي اسقطت سلفه الفاشل القاتل عبد المهدي، واجبرت المتحكمين على التنازل. مما فرض تعينه بهذا المنصب. ومن نافلة القول ان زخم الانتفاضة هو الذي سيبقيه اذا ما احسن الأداء، وتحقيق مطالب الجماهير، وهو الذي سيسقطه حينما يبقى تحت خيمة الكتل المتسلطة. . لنرى غداً والغد لناظره قريب.