سمعنا فيما مضى جدلاً بنمط " بيزنطي " يدور حول: " هل الدجاجة من البيضة ام البيضة من الدجاجة " ان هذه الشاكلة من الجدل غالباً ما تستخدم حينما يراد بالنقاش تضييعاً للوقت، او لابقاء الموضوع المثار قائماً بهدف اللاحل. ويدور اليوم نقاش مشابه حول : من كان السبب في الازمة الكارثية التي تحل بالعراق..؟، خلاصته: هل ان الفساد سببته المحاصصة ام المحاصصة كان سببها الفساد؟ وما دمنا بهذا الصدد، يمكن بادىء ذي بدء ان نعود الى جذر هذه " البدعة " التي لم تذكر عادة في المنتج السياسي. وانما كانت في المشاركات التجارية، والاسهم، والصناعة، وسواهما، بغية تقاسم الارباح والمحاصيل بين المساهمين حسب مقدار مشاركة كلٍ منهم. ليس هذا فحسب انما جاءت ومعها اخواتها من المفاهيم الغريبة الاخرى على شعبنا، مثل " دولة الكيانات " هذه الصيغة التي تقيئها علينا الدستورالراهن، وكذلك ما سميّ " الاستحقاق الانتخابي" لتقاسم الوزارات، الذي لا يحسب عادة الا للقائمة الفائزة الاكبر. وليس لكل من حصل حتى على مقعد واحد في البرلمان كما هو حاصل. وبالمناسبة ان تضييع " الكتلة الاكبر" في الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة، كان بدواعي تمهيد الطريق لتوطيد المحاصصة من جانب، و لتخريب الديمقراطية المفترضة. وخرق الدستور بغية مصادرة مشروعية تشكيل الحكومة من جانب اخر.
واسهاماً منا في هذا التعاطي، ولنأخذ فرصة ابداء الرأي نقول: إن المحاصصة نتيجة وليست ببعيدة عن ان تتحول في حالات معينة الى سبب بفعل اسباب موجبة ايضاً. لان المنطق يؤكد ان لكل ظاهرة سبب.. وكان ومازال وسيبقى الفساد هو المنتج الدائم والاساس لها.. وبما ان الفساد هو المهيمن على اطلال وخرائب العملية السياسية فكل مخرجاتها ستبقى مرتبطة بهذا الشكل او ذاك بمنظومتة الفتّاكة. وما دامت هذه العلاقة الجدلية بينهما باقية، سوف لن تنتهي المحاصصة الا اذا قضي على الفساد وقبله المفسدين.
ان كل هذه المفردات، وبخاصة المحاصصة، لا غاية بها سوى تفتيت وحدة شعبنا الوطنية وترسيخ الطائفية والتبعية المدمرتين. كما ان بعدها الآخر يتلخص بتبرير الاستحواذ على مواقع النفوذ والمال بذريعة "حصة المكوّن" وارضاء سلاطين الطائفية، واصحاب النفوذ والسطوة .وهنا يلزمنا القول: إن اول من شخص اسلوب المحاصصة في المشهد السياسي العراقي وتصدى لها وفضح خطورتها هي القوى المدنية اليسارية العراقية تحديداً. بعد ان استشعرت بتداعياتها المؤذية لوحدة ومصالح شعبنا. ظهر ذلك عندما نزلت جماهيرهذه القوى صارخة بحراك الشارع، متظاهرة ومطالبة بالتغيير والاصلاح منذ عام 2011. وقد تواصل تظاهرها ليومنا هذا، متوّجاً بمرحلة الاختمار الثوري التي تمخضت عنها انتفاضة تشرين 2019 .
و سائل يسأل ما العمل لتفكيك " المحاصصة " واتلاف مخلفاتها.. ؟ فلا حاجة للذهاب الى قاضٍ لمعرفة السبيل لحل هذه المعضلة الكارثية. مع ان جل الحل لدى القضاء لملاحقة السرّاق وقتلة المتظاهرين، وغلق كافة السبل الممكنة للافلات من المساءلة والقصاص العادل. ان الأمر في غاية البساطة لأن الفاسدين يعلنون عن انفسهم حيث تعلن جرائمهم صارخة وليست بحاجة الى ادلة انما هي الادلة بحد ذاتها..
لنرى غداً والغد لناظره قريب.