عندما خفض فايروس كورونا فعالية الانتفاضة شكل ذلك متنفساً للقوى المتنفذة و فرصة لم تكن بالحسبان . مما دفع هذه الاوساط المرتعبة إلغاء "حزم حقائبهم " حيث كان ذلك استعداداً للهروب خوفاً من غضب الجماهير الثائرة، ومن ثم العودة لمواصة حصاد الدم والموت تجاه المنتفضين وباشرس مما سبق. مع ان هذه الردة لم تعدوعن كونها قتال المتراس الاخير بالنسبة لهم. وفق نظرية " المحاصر يكون اشرس بالدفاع عن نفسه " وتمثلت بالانتقام ابتداءً بحرق خيام الاعتصامات الى اختطاف واغتيال النشطاء. وتحد الحكومة باستمرار اطلاق الصواريخ امعاناً باضعاف هيبة الدولة، يضاف له استمرار حالة انكماش حركة الشارع وتبعاً لها تقلصت فاعلية الانتفاضة، ما عدا محافظة ذي قار، مما خلق مناخاً مناسباً لانتعاش مخططات اعداء الاصلاح والتغيير، وممارستها باشد ايغالاً، هادفة الرجوع الى ما قبل الانتفاضة بدءً بمحو اثار انجازاتها.
ان ما تمخضت عنه الانتفاضة لبعض اهدافها، كانت قد انتزعت عنوة من البرلمان المتخم بالخيبة والفساد. حصل ذلك تحت زخم ضغط الشارع الثائر. وجاء قانون الانتخابات الجديد كإحداها، الا انه ولد معوقاً في اقل تقدير . وكذلك مفوضية الانتخابات، هي الاخرى قد تم تشكيلها بمحاصصة مموهة بغشاء قضائي. وقبل هذا وذاك اسقاط حكومة عبد المهدي بنت بدعة "الغائب الطوعي" الذي كان شبيهاً بـ " خيال مآتة ". هذه الانجازات الثلاثة قد باتت الآن في مهب { الرياح الخماسينية } حسب تعبير اخوتنا المصريين. اي " رياح جويريد " الخريفية. بمعنى تجرد الاوراق والثمارعن الاغصان. وبالفعل ان الانجازات قد علقت وتم تجريدها من ثمارها التي هي بالاصل ثمار غير ناضجة اصلاً.
حصل اسقاط الحكومة: بعد اخذ و رد ووسط اشتباكات حامية الوطيس فيما بين الكتل المتحاصصة ومحاولات ترشيح احد ازلامها، ولم تتمكن حيث اسقطهم حراك الشارع واحداً تلو الاخر. وعلى اثر ذلك جيئ بالسيد " مصطفى الكاظمي " على ان يتقيّد بشروطهم العشر حسب تعبيرهم. الا انه قبل ان يستنشق نفسه الوزاري هُدد وحوصر وتكاثرت الخروقات والتجاوزات واثيرت الاتهامات ضده، كذلك التشكيك حول زيارته لواشنطن، وصولاً الى اعلان تصميمهم على استدعائه للبرلمان بغية احراجه وارباكه وشل يديه، وبما انهم عطلوا البرلمان استدعوه الى بيت" العامري" لكي لا يتمادى بمس مصالحهم المتكونة من السحت الحرام قطعاً. وكذلك حول نتائج زيارته لواشنطن التي ازعجت ايران.. !! . ان الافق يبدو مفتوحاً نحو اسقاط الحكومة. ويقال ثمة نوايا لدى الكتل الحاكمة لارجاع حكومة عادل عبد المهدي .
اما قانون الانتخابات : فقد اقر هذا القانون تحت ضغط الشارع ايضاً، ولكن تُرك مثلوماً في المادة 14 الدستورية، التي تعنى بالدوائر الانتخابية، حيث بقيت معلقة لتكن هذه الثغرة مادة للجدل و الجرجرة بغية الغاء الانتخابات المبكرة.
وتهمل محاكمة قتلة المتظاهرين، فلم تذكر حتى من قبل رئيس الوزراء الذي عوّل عليه لكي يتخذ الاجراءات المناسبة في صدد ملاحقة المجرمين، انما الذي جرى هو الامعان باغتيال نشطاء الانتفاضة وبصورة اكثر صلافة دون ادنى خشية بل ملؤها التحدي السافر دون ان يحصل رد فعل مناسب من قبل الحكومة يلجم القتلة المنفلتين.
وما يجدر ذكره ان مفوضية الانتخابات: فقط هي التي بقيت سالمة من دسائس الكتل المتنفذة لكونها قد تشكلت من بين ممثليها وظلت دون مساس يذكر.. زد على هذا وذاك عدة معوقات قافلة على الغاء موعد اوحتى فكرة الانتخابات المبكرة. ان جملة هذه الامور باتت معروفة للقاصي والداني، غير ان الذي يجري سراً من نسج دسائس واحابيل وحركة ردة هدفها محو اثار انتفاضة تشرين وارجاع الوضع الى ما كان عليه قبل انتفاضة تشرين 2019. وبحمية ودفع اقليمي مسعور، لأن ما تحرك عليه الكاظمي مؤخراً من اجراءات ابتدائية وان كانت على بساطتها الا انها قد اصابت الفاسدين بمقتل. وقطعت جزءً من بؤر ارتزاقهم وفسادهم، ولهذا يقولون: " لنتغدى به قبل ان يتعشى بنا ".. اذاً لنر غداً وغد لناظره قريب.