الأصل ان راتب الموظف يحتسب على اساس الشهادة والدرجة وعدد سنين الخدمة ، والأصل أن الدرجة الوظيفية هي واحدة في كل دوائر الدولة وراتبها محدد بموجب قانون الخدمة المدنية ، ولما كان تعريف الموظف في قانون الخدمة المدنية ، هو كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة في الملاك ، فان الملاك يعني مجموع الوظائف والدرجات المعينة لها والمصادق عليها بموجب قانون الميزانية، وهذا يعني صفة العموم ووحدة الدرجة والرواتب المخصص لها بموجب الموازنة ، باستثناء ما ورد بقانون الخدمة في المؤسسات الذي كان يراعي ظروف العمل والإنتاج في القطاع العام . فقد كان الدوام في القطاع الإنتاجي العام ثماني ساعات ، ونصف ساعة للغداء، وتحتسب اعمال إضافية لكل موظف او عامل، باشر العمل بعد دوامه الرسمي من أجل زيادة الانتاج. واليوم يجد المراقب ان ثمة فروقات واضحة بين رواتب الموظفين ولذات الدرجات بين هذه الوزارة او تلك ، وأن هذا البون يظهر جليا وعاليا جدا في مكاتب بعض دواوين الرئاسات الثلاثة او بعض مكاتب الدرجات الخاصة، كما تم ابتداع مبدأ المكافآت في دوائر خدمية غير انتاجية ، في حين ان الحوافز والمكافآت كانت تصرف بأضيق الحدود اما بسبب زيادة الانتاج او الدوام لساعات طويلة لتحقيق هدف انتاجي معيين، كما نلاحظ منح رواتب عالية مثلا للموظفين في ديوان مجلس الوزراء لأصحاب درجات يحصل أقرانهم في دوائر أخرى على راتب الدرجة المنصوص عليها في الملاك ، فقد يمنح راتب بالملايين لموظف بدرجة مدير او معاون مدير في ديوان مجلس الوزراء لا يحصل عليه زميله في وزارة الزراعة مثلا. او أن يميز الملاحظ في الراتب في مكان ما عن زميله في وزارة التربية او الصناعة، فالأول يحصل على راتب اعلى وبضوابط غريبة عن أصول الصرف الحكومي اما الثاني فيحصل على راتب الدرجة، ولعل تمسك الكثير من المسؤولين بقرارات الحاكم المدني بريمر تلك التي ألغت كل ضوابط وأصول التعيين والصرف في الدولة العراقية ،كان بمثابة فتح للباب على مصراعيه لتولية الأهل والأقارب والأتباع على حساب القوانين ، فعلى سبيل المثال ان راتب احد المدراء العامين في الامانة العامة لمجلس الوزراء خمسة ملايين دينار وراتب اخر من نفس العائلة وبنفس الدرجة 6 ملايين دينار ايضا في الامانة العامة لمجلس الوزراء ، وأن موظفا ثالثا من ذات العائلة بدرجة رئيس قسم يتقاضى راتبا شهريا قدره أربعة ملايين ونصف المليون ، ومدير قسم اخر يتقاضى ستة ملايين دينار حسبما كشف ذلك موقع سكاي بريس يوم السبت الموافق 17 ت . ثاني عام 2018 ، وان دل هذا على شئ أنما يدل على عدم التقييد بأصول الصرف ، وان ذلك يعود للوزير او للمسؤول الاداري الاعلى. ووفقا لتقديره لا وفق قاعدة قانونية او لائحة تشريعية.
ان التفاوت في الرواتب بين الموظفين يدلل على الانفلات الإداري الذي لا يوحد ما هو محتسب للموظف في وزارة النفط او في وزارة المالية او في وزارة الكهرباء بالمقارنة لنفس الموظف في وزارة الري والزراعة والتجارة على سبيل المثال لا الحصر، واليوم نجد في وزارات غير منتجة قيام المسؤول بصرف عيدية للموظفين دون توجيه مركزي او ان البعض الاخر يصرف مكافأة عن كل يوم يباشر الموظف عمله حسب التعليمات الصادرة من خلية الازمة والقاضية بمباشرة 25 بالمائة من الموظفين ابان انتشار جائحة كورونا. أي ان المدير العام يصرف أجر يوم لمن له راتب عن ذلك اليوم.
ان ما تشهده الإدارات الحكومية من فوضى في احتساب وصرف الرواتب يدلل على عدم جدية الحكومات في معالجة القصور المبدد للأموال العامة ، او انها ضالعة في تمدد هذا القصور ليشمل كل الأهل و الاقرباء ، وان مجلس النواب هو الاخر ولكل الدورات كان ضليعا في اعمام الفساد الاداري او المالي لأنه على ما يبدو ودون تحفظ جزءا لا يتجزأ من الانفلات الإداري الذي بات يأتي تدريجيا على بقايا نظام الصرف العراقي الذي أشاع بدوره الا مساواة أمام القانون الذي نصت عليه المادة 14 من دستور عام 2005 النافذ .
رغم كل العيوب في الأنظمة السياسية التي توالت على العراق لم يجد المواطن سوءا في توزيع الوظائف مثلما يجده اليوم ، وان التعيين العشوائي لهذا الاخ او ذاك ابن العم يشير الى امية ادارية تتخطى المعقول حتى باتت وسيلة لهدر الموازنات الضخمة للأعوام التي تلت الاحتلال ، وان التضخيم للموازنات التشغيلية عمل محسوب لتحويل الثروة الوطنية الى رواتب واجور وخدمات لأقلية الحاكمة واتباعها ، او استغلال الموازنات العامة للصرف على الامور الكمالية ، وحولت الكثير من الدوائر الحكومية الى فنادق تعمل على خلق الكسل وعدم الالتفات الى الخدمة العامة ، واخيرا نود ان نذكر كل العراقيين ان الموظف في العراق كان لا يحصل الا على راتبه المتساوي في كل دوائر الدولة وكان عند حد الكفاف. عليه فإن السيد رئيس الوزراء مطالب والوزراء ان خلصت النوايا والبرلمان إلى اعادة توحيد الرواتب في كل دوائر الدولة و إخضاع المكافآت والعيديات لقرار مركزي يشمل الجميع لا حسب أهواء المدراء العامين او اجتزاء هذه المكافآت للفقراء من أبناء هذا البلد صاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم.