من اغرب المهازل وأشدها واقساها هي ما تتميز به حالة العراق السياسية وما يتعلق بها من أوضاع أمنية ومجتمعية وحزبية لسبعة عشر عاما، وزد انت على هذه السلسة من الخراب طيلة هذا الزمن اللعين العصي على الفهم، عزيزي القارئ.

منذ ما يزيد عن السبعة عشر عاما والعراقيون يعيشون في ذات الدوامة التي كانت لها بداية من العذاب ويبدو ان لا نهاية تبشر بتجاوز ذات المحن او حتى ايقافها، ومنذ التاسع من نيسان عام 2003 وحتى يومنا هذا والدائرة تدور في ذات المضمار المتآكل والذي يتواصل سيره المتعثر دون توقف مما يجعل المرء في حيرة من أمره، بعد أن ظهرت قوى أقل ما يقال عنها بالشرسة وغير الآدمية تتغول في العراق وتحمل من العنجهية والحقد والتعالي الأرعن ليس على المواطن العراقي فحسب، بل وعلى العراق، ما يعجز المرء عن وصفها وفهم تفاصيلها وحيثياتها، هذه الظاهرة العجيبة وليست الغريبة متمثلة بفصائل خارجة عن القانون والقيم وتحكيم العقل والمنطق،  خلت لها الساحة العراقية  من أقصاها الى أقصاها بفرض هيمنتها وسلطتها وبلطجيتها وسلوكها الاجرامي المتزايد يوما بعد آخر، فصائل مكونة من كل من هب ودب، مدججة بشتى أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية والتي تم الاستحواذ عليها من الجيش العراقي والأجهزة الأمنية لتنتشر كالجراد في كل مناحي الحياة العراقية وتتداخل مع تفاصيل اليومي لحياة المواطنين وهي تتوعد وتهدد وتخيف وتقتل وتختطف وتسرق وتستولي على عقارات وأراضٍ، متى وأين وكيفما تشاء دون خوف او محاسبة او ردع من لدن السلطات المتعاقبة ولا أقول الدولة، لغياب مواصفات الدولة في العراق، وهكذا عاد الوضع الأمني برمته بيدها، هي من تقرر متى تتدخل ومتى تنسحب، دون أن تتحرك السلطة متمثلة بالحكومة وتشكيلاتها الأمنية والعسكرية والتي تفوق المليون من المنتسبين الذين هم بدورهم باتوا تابعين للكتل والأحزاب السياسية، تأتمر بأمر رؤسائها وتتسلم الأوامر والتعليمات منهم وحتى ممن يدور في فلكهم، أما دور الحكومة فلا نسمع له غير الجعجعة الفارغة والاكاذيب ولا من طحين.

لنأتي الى الاقتراب من العنوان وما يعنيه، ان العراق منذ توالي الحكومات وتتابعها منذ العام 2003 والى الآن وهي في ذات الرداء وذات التوجه البعيد عن البناء الحقيقي للدولة حيث تكون كل افعالهم وسلوكاتهم مرتهنة بيد الكتل والأحزاب التي هي من تمسك بالسلطة من خلال نظام المحاصصة المقيت الذي تم توزيع المناصب الوزارية والوظائف السامية فيما بينهم لتكون هي الحاكم الفعلي للبلاد، أما رؤساء الوزراء والوزراء وبقية الوظائف الأخرى فمقسمة فيما بينهم، ومن خلال تعاقب الحكومات على السلطة، لا يبدلون سوى الأسماء والتوجهات تظل كما هي، ليظل نظام المحاصصة هو المهيمن والفساد سيد الوضع المتردي والبلاد تسير باتجاه الخراب ومن سيء الى اسوء.

تعاقبت على العراق منذ الاحتلال حتى يومنا ست وزارات آخرها وزارة السيد الكاظمي، وخلال هذه الفترة الممتدة من 2003 حتى 2020، لم تقم هذه الحكومات بالبناء ولا بإعادة الاعمار ولا بإيجاد الحلول لازمات الماء والكهرباء ولا بإجراءات لتقليل البطالة ولا بتخفيف حالات الفقر الآخذة بالتزايد ولا... ولا.... وهذا ما دعانا ان نطلق على طبيعة تتالي الحكومات، بذات الطاس وذات الحمّام...

مما حدا بالعراقيين في بداية شهر تشرين عام 2019 أن ينتفضوا بحراك جماهيري مبارك ويعلنوا عن ثورتهم التي أعطت مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعطوبين والمغيبين والمختطفين، ولم نجد اية مبادرة لمحاسبة القتلة والمجرمين من مليشيات شرسة وقوى أمن هي بحقيقتها تابعة للأحزاب وتأتمر بأوامرها، رغم الوعود الكاذبة والتسويفية لكشف القتلة والمجرمين، وهم معروفون بالأسماء وبالانتماءات، ولكن لم نلمس أي جدية في النوايا التي اتسمت بالخداع.  أن أسماء القتلة كلها معروفة ومشخصةـ وعلى رأس الشلة المدانة، الحكومة السابقة  التي تتحمل  كامل المسؤولية بإزهاق أرواح الفتية الثائرين الذين توجه الى صدورهم رصاص الغدر والخسة. وحتى المسؤولين الأمنيين اعترفوا بحجم الجرائم وبأسماء مرتكبيها، ولكن لم يشف غليل ذوي الضحايا ما صرح به القادم الجديد على هرم السلطة السيد الكاظمي بأنه سيعلن عن أسماء مرتكبي الجرائم، وأسماء الضحايا، فاستبشر الناس بتلك التصريحات، ولكنها ظلت  تصريحات .

فكانت الصدمة والطامة الكبرى، وبات واضحا أن لا سبيل للخروج من هذه الفواجع إلا بالتغيير الجذري لنظام الحكم برمته، وبات شعار الثوار الحاسم (عليّ وعلى أعدائي).

لم يبق امام الشباب الثائر إلا التحرك نحو التغيير الجذري بعد أن لم يعر الفاسدون لحجم الاحتجاجات وعدد الضحايا والجرحى، ولا نعرف على ماذا هم يراهنون بعد ان بلغ السيل الزبى؟

حذار من ثورة الجياع والمتضررين أيها السادة، ولا تصموا آذانكم لصرخات الاحتجاجات التي يقينا ستهز عروشكم.

وانت يا سيد الكاظمي، لا تدر ظهرك للمحتجين الذين راهنوا على مجيئك، بيّن عن تعاطفك معهم وقم بما يمليه عليك ضميرك ووطنيتك، إن كنت تختلف عن الآخرين؟!

لن ينفعك الفاسدون وخونة الوطن ستكون بطلا قوميا إذا ما اقتحمت حصون الفاسدين واخرجتهم من جحورهم ولا تخشى في الحق والوطنية لومة لائم.

وانتم يا احرار العراق وشبابه المنتفضين، فان كل آمال العراقيين معلقة عليكم، ولا سبيل للخروج من هذا النفق المظلم إلا بالانقضاض على الفاسدين والفاشلين  و كنسهم جميعا، وإن لكل تضحية لا بد من ضريبة وقد تكون باهظة، فإذا ما اردتم الحياة الكريمة لكم ولأبنائكم فلا بد من نزف الدماء الطاهرة ليتعمد تاريخ العراق بشرف بطولاتكم النادرة، كما اثبتّم للعالم أجمع تحديكم لرصاص فلول المرتزقة والمجرمين القتلة، الذين سيكون مآلهم كأسيادهم إلى مزبلة التاريخ وسيكون النصر حليفكم.

عرض مقالات: