مرت بنا  ذكرى كتابة حرف النون على ممتلكات مسيحي العراق غير المنقولة في الموصل عند احتلالها من قبل الدواعش، للدلالة على أنهم أهل ذمة ما يُقال عنهم يدينون بدين يسوع المسيح الناصري، وأن ما يملكوه يُستحل الإستيلاء عليه من قبلهم، لذا  سبق هذا الإجراء البربري استيلاء متشددين إسلاميين وإجراءات تهديد لمعيشتهم اليومية، مما اضطرهم للجوء لمناطق آمنة، ولو بقوة السلاح  تيمننا بما كان سائدا، عند الغزو الإسلامي لبلدان كثيرة، ولهذا واصل المشددون الإسلاميون في المنطقة كحركة الأخوان المسلمين والوهابية، والميليشيات الشيعية المنفلتة في العراق التحرش بالمكونات العرقية لشعوب المنطقة والإستيلاء على ممتلكاتهم وتهجيرهم.   

لقد شخصت الوقائع الملموسة، أن القوى الوطنية، والمكونات العرقية، يشتركان في حمل الهم العراقي، فاﻷول يتخذ الطابع السياسي للحراك من أجل تحقيق العدالة اﻹجتماعية في دولة مدنية ديمقراطية، بينما الثاني يلعب وجوده في المنطقة بالإضافة لمهامه الوطنية دورا رياديا في نشر ثقافة المحبة والتسامح في المجتمع المدني الديمقراطي، وجراء ذلك تعرض الإثنان للقمع واﻹضطهاد والتهميش، وﻻ زاﻻ يُعانيان من إضطهاد القوى الظلامية بأساليب تمس مواصلة حياتهم اليومية الطبيعة. وبرغم ما قيل بأنه جرى القضاء على داعش، فلازال حرف النون لم يُمسح عن ممتلكاتهم غير المنقولة، رغم مرور 6 سنوات على احتلالها كما جاء في حديث الاب روفائيل ساكو بطريرك الكلدان على العالم. حيث القانون لازال غائبا، وعند تطبيقه توضع العراقيل أمامه. فعلى صعيد الحكم، جرى بشكل متعمد أضعاف مشاركتهم في الحكم وإدارة البلد، إسوة بالقوى الوطنية، فعن طريق الكوتا التي استغلت من قبل الأحزاب المتنفذة، غُيبوا من مسؤولية بناء تنمية الوطن على الرغم ما تضمه صفوفهم من كفاءات علمية ودراية وطنية.

 عندما بدأ التسابق في إنشاء مراكز للدعوة اﻹسلامية، لنشر تعاليم إسلامية طائفية في جميع أنحاء العالم الإسلامي، الذي  هو  بأمس الحاجة لبناء كل ما يخص التقدم والتحضر،  إنتشرت ثقافة التمييز والتعالي في البلدان الفقيرة إقتصاديا، بينما امتلأت السجون والمعتقلات بكل من ﻻ يطاوع أحكامهم، ومذاهبهم الطائفية، في أجواء صمت المرجعيات اﻹسلامية، مما اضطر الآﻻف من تلك المكونات الهجرة واﻹغتراب، فمثلا في العراق كان المسيحيون يشكلوا أكثر من مليون ونصف، أغلبهم من الكلدان. دفع اﻹرهاب بالكثيرين منهم الى الهجرة ، حتى أصبح عدد المسيحيين حاليا 350 الف مسيحي ( جريدة نيويورك تايمز) . أما في سوريا فقد كان  حضورهم  يضم ما ﻻ يقل عن 10%  من السكان ، تقلصت نسبتهم بشكل كبير بعد اندﻻع الحرب اﻷهلية فيها.   

أما في اﻷردن فقد كانوا يشكلون 5% من السكان  و حاليا وصلت نسبتهم إلى 3% لهم  ثلاثة نواب في البرلمان ، أما حَمَلة هم وطنهم فكان مصيرهم السجن والمطاردة، ففي لبنان في بداية القرن العشرين كان المسيحيون  يشكلون نسبة 87% تقلصت حاليا الى 14% . وفي  مهد وﻻدة السيد المسيح  كان أغلبية السكان مسيحيين.  في القدس وحدها تقلص عددهم من 50000 الى 5000 ، وتنازلت أعدادهم في فلسطين وإسرائيل عن ما ﻻ يزيد عن واحد بالمائة (قناة نور سات) . أما في مصر قبل اجتياح الجيش اﻹسلامي لها ، كانوا يشكلوا أغلبية السكان، أما حاليا فيشكلون 12% ، أغلبهم من الأقباط، ويواجه حملة هم مصر من يساريين وعلمانيين التمييز والمطاردة والسجن . فبعد سيطرة زعيم الأخوان المسلمين في عام 2011 على مقاليد حكم مصر  تفاقم اضطهاد المسيحيين والعلمانيين في عمومها ، ففر ما يزيد عن 200 الف مسيحي، من الصعيد وسيناء بعد تعرضهم لهجوم منظم من قبل منظمات الأخوان المسلمين، وحاليا ﻻ يكاد يمر يوم دون سماع عملية إرهابية تستهدف كنائسهم. أما في بقية البلدان  فتنشط منظمات الأخوان المسلمين، رافعة بذلك منسوب الكراهية بين أوساط الناس البسطاء.

فاﻹرهاب لن توقفه الإدانة والإستنكار اللفظي، وإنما الخطوات العملية والقوانين الرادعة ﻹيقاف بث ثقافة الكراهية والبغضاء في المدارس والمراكز الدينية، تجاه حملة هم أوطانهم من وطنيين ومكونات عرقية، مع إجماع إفتائي من المراجع الدينية اﻹسلامية، بتحريم ذلك، وكل ما من شأنه أن يربط الدين بالسياسة.    

عرض مقالات: