هنالك جملة من العوامل المختلفة التي تراكمت وتمخض عنها قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، منها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها. وتلك العوامل قد نمت في رحم العهد الملكي نفسه. والثورات عادة هي نتيجة تراكمات ومظالم واحتياجات سياسية واجتماعية واقتصادية، وكما تقول الماركسية فإن التراكمات الكمية تؤدي الى تحولات نوعية.

ومن العوامل التي سنركز عليها هنا هي العوامل الاقتصادية كتردي الأحوال المعيشية والاجتماعية، فقد عجز النظام الملكي عن تلبية احتياجات الجماهير وتحسين احوالها المعيشية حيث كان النظام مرتبطا بالمصالح البريطانية في العراق وبالضد من مصالح الشعب العراقي، وكان هم بريطانيا هو الحاق العراق بالسياسة البريطانية وجعله تابعا لها ومنفذا لاستراتيجياتها بربطه بالعديد من المعاهدات (1922، 1930، 1848، حلف بغداد.. وغيرها).

كان النظام الملكي قائما على الاقطاع ومعتمدا عليه حيث كان الشيوخ الاقطاعيون يهيمنون على الاقتصاد من خلال هيمنتهم على البرلمان والحكومة. ومارس الاقطاعيون سياسة الظلم والاضطهاد ضد الفلاحين وعملوا على تجويعهم وربطهم بالديون التي عجزوا عن تسديدها، وكان الاقطاعي يفرض على الفلاح عشرات الأشكال من الاضراب والرسوم . وقد شكل سكان الريف العراقي آنذاك نسبة % 70 من الشعب العراقي يعيشون حياة بائسة تتميز بالفقر والجهل والمرض وغياب العدالة الاجتماعية بسبب ظلم واضطهاد الاقطاع لهم مما ارغم الملايين منهم على ترك الزراعة والريف والهجرة الى المدن، الى بغداد والمدن العراقية الاخرى.

وفي فترة العهد الملكي في العراق فإن ابرز ما يمكن ملاحظته هو تعمق التمايز الطبقي في المجتمع العراقي في كل من الريف والمدينة على حد سواء وامتدت آثار التمايز الطبقي الى المدينة بعد تعاظم الفقر الذي لحق بمئات

الألوف من الفلاحين الذين اضطروا الى ترك ديارهم والهجرة الى المدينة حاملين معهم كل سلبيات المجتمع الريفي الفقير المتخلف والعادات العشائرية . وكان العامل الأول في افقار الفلاحين هذا قد نتج عن اتساع عملية استيلاء الملاكين الكبار على الأراضي الزراعية بدعم من النظام الملكي، حيث جرت هذه العملية نتيجة لسياسة الحكومة التي كان يهمها تطمين مصالح الاقطاع الذين اصبحوا احد اعمدة النظام الملكي الأساسية. فقد قامت الحكومة بتشريع الكثير من التشريعات لتحقيق تلك السياسة الى درجة ان (3 في المائة) فقط من مجموع مالكي الاراضي الزراعية في العراق كانوا يملكون ثلثي الأراضي الزراعية وكان هناك ثمانية ملاكين عراقيين فقط بحوزة كل واحد منهم اكثر من مائة الف دونم . وقد صادر الاقطاع كل حقوق الفلاحين.

وبعد اكتشاف النفط في العراق عام 1927 هيمنت الشركات النفطية الأجنبية على الاقتصاد العراقي والتي لعبت دورا كبيرا في تقويض الاقتصاد العراقي لا سيما بعد ربط الاقتصاد العراقي بالكتلة الاسترلينية ما ادى الى تضخم العملة العراقية وغلاء الأسعار.

وكان 80 في المائة من مردودات النفط تذهب الى جيوب الشركات الاحتكارية ولا يتبقى اكثر من 20 في المائة من الموارد النفطية وهي حتى لا تكفي مرتبات البلاط الملكي ووزاراته، لذلك اعتمد النظام على الجباية وفرض الضرائب وسلب الفلاحين وكل المكونات السكانية من خلال العمل الشاق حيث كان يعمل ما نسبته 75 في المائة من السكان كفلاحين عند الاقطاع لزراعة الحنطة والشعير من اجل تصديرها للخارج وجني الأرباح منها لجيوب الاقطاع والسلطة. كما تفشى الفساد المالي والاداري لدى النخبة السياسية وانتشار المحسوبية، وكانت البلاد تغرق في الفقر والجهل والمرض وغياب العدالة الاجتماعية وتعيش تحت رحمة نظام اقطاعي ظالم مصادر لحقوق الفلاحين.

اما القطاع الصناعي في العراق فقد حرم من اموال مجلس الاعمار بحجج مختلفة وظلت الشركات الأجنبية تحتكر معظم تجارة التصدير والاستيراد حتى ثورة 14 تموز وبالتعاون مع بعض التجار المحليين الكبار.

لذلك فإن تدهور الاقتصاد العراقي وسيطرة الشركات الأجنبية عليه وعلى موارده المالية والاضطهاد والظلم الذي مارسه الاقطاع ضد غالبية الشعب العراقي والتخلف وانتشار الفقر والجهل والمرض وتفشي الفساد والمحسوبية دفعت بالعراقيين المضطهدين الى تأييد ودعم الثورة عند انطلاقتها حيث فتحت الثورة آمالا جديدة لفقراء العراق ومعدميه الذين عانوا من الفاقة والحرمان وغياب العدالة الاجتماعية وتبعية النظام الملكي الحاكم للمحتل البريطاني الذي ربط العراق بمعاهدات والتزامات ابعدت العراق عن استقلال قراره السياسي وموارده الاقتصادية . لذلك وبسبب الأوضاع المزرية وغياب العدالة الاجتماعية بسبب طبيعة النظام الملكي شبه الاقطاعي فقد هب ضحايا الاضطهاد، ضحايا جوع الاضطرار للتخلص من النظام الظالم الذي سلبهم الحرية والكرامة والحياة الانسانية متمسكين بثورة الرابع عشر من تموز وداعمين لها والتي كانت تمثل المنقذ لهم والأمل الجديد.