لا زالت اشكالية تجديد الحكومة لرخص شركات الهاتف النقال مثار جدل واستهجان واسعين في الأوساط الشعبية، والفعليات السياسية، ووسائل الاعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يشوبها من الغموض والضبابية الشيء الكثير.

ففي الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من ضائقة مادية خانقة جرّاء انخفاض اسعار النفط وتناقص كمياته المصدرة، وتفشي وباء كوفيد 19 وما يتطلبه من مستحقات مالية، كان لزاما عليها ـ بعد أن قبلت التحدي بشجاعة ـ أن تمضي قدما بمعالجة الاختناقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية الواحدة تلو الأخرى، خاصة والشارع ينظر بعين التشكك والربية لمفردات برنامجها المعلن، بسبب التجارب المريرة مع الحكومات السابقة. وكان أمامها من المعالجات الممكنة الكثير للتخفيف من وطأتها والحد من تداعياتها، كاللجوء ـ مثلا ـ إلى مسك واردات المنافذ الحدودية ـ الرسمية وغير الرسمية ـ لما تدرّه من ايرادات لا يستهان بها، أو الشروع بفتح أيّ ملف من ملفات الفساد الكثيرة المطروحة أمامها.

وما يثير دهشتنا واستغرابنا في معرض هذا الحديث، أن تفاجئنا وسائل الاعلام بموافقة رئاسة مجلس الوزراء على تجديده رخصة الهاتف الجوال على الشركات ذاتها، الشركات التي طال التذمر والشكوى من سوء إدائها، وتلكئها بسداد ديون للدولة بذمتها، تأخّر دفعها لسنوات دونما مبرر.

إنّ المتابع لهذه الاشكالية، يلحظ بوضوح تام، أنّ ثمة هدر متعمد للمال العام باد للعيان في العقد المبرم، وتهاون مبهمة أسبابه مع هذه الشركات، ولا أحد يعلم ما الغاية منه! وإذا كانت الأعمال لا تقاس بالنوايا الطيبة، بل بالتوجهات المدروسة والسليمة، فما بالك إذا كانت هذه النوايا نفسها يشوبها الغموض وتلفها الضبابية؟ وإذا كان معرض القول ينبثق من مقامه؟ فما مقاميّة القول هنا؟ هل تجديد العقد لثمان سنوات أخرى قرار صائب يصب في مصلحة البلاد ويتسق مع التوجهات الداعية إلى الاصلاح والتغيير؟ خاصة والحكومة الآن تواجه تحديات حقيقية لا تحسد عليها، والمتربصون بها لا يعربون عن عصيانهم وتمردهم لاشتراطاتها علانية، بل ويفتعلون المشاكل والتحديات بغية عرقلة توجهات الحكومة وحرفها عن مساراتها الصحيحة. وعلى ضوء ذلك لم يكن أمام الحكومة التي تواجه تحديات لا يمكن احصاؤها سوى اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي، في محاولة لمعالجة واحدة من أهم الاشكاليات المعقدة وهي الإيفاء بدفع مستحقات الموظفين، والمتقاعدين، وذوي الرعاية الاجتماعية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يكون للحكومة دين ممتاز على جهة مقصرة في إدائها، ومتلكئة في دفع مديونيتها وخدمة الأنترنيت لازالت عاجزة عن تحميل أجوية الطلبة الجامعيين في امتحاناتهم للفصل الثاني لضعفه ويعني هذا فشلهم في الاختبار، فضلا عن فشلها في تلبية حاجات المستخدمين للأنترنيت بالصورة المطلوبة، فلم التهاون معها؟ وما سبب استيفاء نصف الديون، وجدولة المتبقي بدون فوائد؟

وإذا كان هناك ثمة تقصير حاصل في التعاقد السابق، بسبب شبهات فساد، أو بسبب تدني الكفاءة الفنية المطلوبة في الجيل الثالث، أو في قصور متعمد للجهات الراعية له، فهل سيكون بمقدورها أن تنهض بخدمة الجيل الرابع؟ ألم يكن من الأولى بالحكومة وهي في (شدّة مالية) أن تسترجع ديونها أولا؟ ومن ثمّ تطلق الرخصة الرابعة للشركات المنافسة! وما الضير في أن تتكفل وزارة الاتصالات ـ وهي من الوزارات العتيدة في العراق ـ بهذه المهمة وليدها الخبرات والكادر الطويل العريض، وهذا يكفل للحكومة الوقوف بوجه التحديات الضاغطة عليها ولو إلى حين، لأنّ عوائدها تعدُّ موردا مهما لخزينة الدولة.

إنّ التجديد لرخصة هذه الشركات ـ يعني فيما يعنيه ـ مكافأة لتلاعبها بحقوق المواطنين، المتمثل برداءة خدماتها، وارتفاع اسعارها ـ بالقياس إلى دول الجوار ـ وهو تثمين لدورها العابث، وتفريط واضح بمصالح الناس واحتياجاتهم، جرّاء عدم احترامها لتعهداتها المبرمة في عقد الاتفاق السابق، ما يتطلب من الحكومة ايقاف العمل بالعقد الجديد، والسعي لإيجاد مخرج يضمن مصالح   البلاد، ويلبي حاجة المواطن.

عرض مقالات: