جاءت مطالب الحركة الاحتجاجية التي بدأ في 25 شباط 2011 بإصلاح العملية السياسية  والتخلّص من نظام المحاصصة الطائفية والاثنية بعد أن تلكأت الحكومة بإجراء الإصلاحات اللازمة، وفي مقدّمتها توفير الخدمات ومكافحة الفساد والإرهاب. تراجع المتظاهرون عن مواصلة احتجاجاتهم، بسبب استخدام العنف ومحاولة تشويه شعارات القوى المحركة للحراك وتحريف وجهتها السلمية وذلك عن طريق دخول عناصر غريبة دسّتها السلطة وبقايا نظام البعث الفاشي وإطلاق الحكومة وعودا فارغة، ومنها إعلان رئيس مجلس الوزراء عدم الترشّح لولاية ثالثة والذي كان قد أوعد خلال ولايته الأولى بأنّ عام 2008 سيكون عام القضاء على الفساد. لم تستطع هذه الحكومة، أو بالأحرى لم ترغب، في  تنفيذ وعودها وإنّما أوغلت في الركض وراء امتيازات الشركاء في السلطة وزيادة المشاكل وتعقيدها، وخاصة التوغّل في الفساد وزيادة مخاطر الإرهاب والتصدّع في وحدة المجتمع العراقي، كما أنّ نوّاب البرلمان فشلوا في إصدار قوانين تهمّ مصلحة البلاد والشعب،خاصة فئات الكادحين، وانشغلوا في إصدار قوانين لزيادة امتيازاتهم  وامتيازات عائلاتهم وإثقال ميزانية الدولة بسببها، وكان دور البرلمان الرقابي ضعيفا جدا على السلطة التنفيذية. كل هذا مهّد لقيام داعش باحتلال ثلث أراضي العراق من خلال الحواشي الرخوة التي لم تستطع الحكومة من إصلاحها.

 لقد تابعت القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية الأوضاع الخطرة التي يمرّ فيها بلدنا فانتقدت وحذّرت من السياسات التي تتبعها السلطات الحاكمة، وذلك عن طريق الصحافة والإعلام المرئي والمسموع واللقاءات مع مختلف الأحزاب والشخصيات من داخل وخارج السلطة، وكان للحزب الشيوعي العراقي الدور الكبير في هذه التحركات، إلاّ أنّ الأحزاب والكتل الحاكمة لم تبد أية استعدادات لتغيير سياساتها الخطرة وتعمّدت في تهميش هذه التحركات والتمسّك بنظام المحاصصة الذي يحافظ على امتيازاتها، كما حاولت تحريف أنظار المواطنين بإطلاق تصريحات ووعود لم تستطع تنفيذها وقيام الكتل والأحزاب السلطوية، بين وقت وآخر، بعقد لقاءات لما يسمّى ب "للمصالحة الوطنية" والتي لم يعرف المواطن نوع المصالحة بين من ومع من. وبسبب عدم إبداء إي تحرّك باتجاه إصلاح الأوضاع من قبل هذه الأحزاب، فلم يبقى أمام القوى الخيّرة سوى العودة إلى تحشيد الجماهير وتوجيهها للحراك للمطالبة في التغيير ومحاسبة الفاسدين والقضاء على الإرهاب لتبدأت الانطلاقة الثانية للحراك السلمي في 31 تمّوز 2015 بتوجّه آلاف المواطنين من شتى  طوائف الشعب العراقي وطبقاته وفئاته الاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية من قوى مدنية ودينية إلى ساحة التحرير في بغداد، وكانت بعض المدن قد استبقت هذه الانطلاقة وتواصلت ونسّقت معها. وتشكّلت ، عمليا، جبهتين جبهة تخوضها القوّات المسلحة العراقية بكافة تشكيلاتها للقضاء على داعش وجبهة الحراك الجماهيري في بغداد ومدن العراق الأخرى لمحاسبة الفاسدين والقضاء على الفساد ونزع مطالب الجماهير الدستورية. حققت قوّاتنا المسلحة انتصارا كبيرا على داعش بعد تقديمها الآلاف من الشهداء والجرحى ولا زالت تلاحق فلوله في بعض المناطق التي يتخفى فيها ليجمع بقاياه للقيام بعمليات إرهابية بمساعدة قوى داخلية شريرة وقوى دولية متمرّسة بسياسة الابتزاز. أمّا جبهة الحراك السلمي لا زالت مستمرة في نضالها للتغيير والقضاء على نظام المحاصصة، وتمخّض هذا الحراك عن قيام تحالف "سائرون"  من مختلف قوى الشعب المدنية والدينية وأصدر برنامجا نابعا من الشعارات والمطالب التي أطلقتها الجماهير طيلة ما يقارب ثلاث سنوات، واستنادا إلى الدستور، رغم كلّ ما تعرضت له من عنف السلطة وتهديدات القوى الأخرى المرعوبة من صوت الجماهير، بالإضافة إلى خبرة الحزب الشيوعي العراقي طيلة أكثر من ثمانية عقود من نضاله وتضحياته من أجل الشعب والوطن وخبرة الأحزاب والشخصيات المنضوية في هذا التحالف، وتضمّنت مقدّمة البرنامج: "... وهو تحالف من طراز جديد، انبثق من قلب المجتمع ومن حركة الاحتجاج الشعبي، حيث تنامى التعاون والتنسيق بين قوى شعبنا الوطنية المشاركة في الحركة على اختلاف أطيافها". كانت المرجعية الدينية الأعلى في النجف الأشرف تراقب الأوضاع عن كثب، فحذّرت الأوساط الحكومية من مغبة الاستمرار بسياساتها البعيدة عن الواقع وأكّدت على أهمية تلبية مطالب المتظاهرين ومحاسبة الفاسدين وقيام دولة مدنية، إلاّ أنّ هذه الأوساط أعطت أذنها الصمّاء لهذه التحذيرات.

لسنا هنا بصدد الحديث عن البرامج (إن وجدت) والشعارات لبعض الكتل والأحزاب الأخرى، لأننا خبرنا شعاراتها ووعودها وارتداءها قناع المدنية والديمقراطية والوطنية وكونها عابرة للطائفية ، ولكن، وقبل كلّ شيء نريد أن نوضح للمواطن العراقي أهمية الانتخابات وأهمية البرامج التي تطلقها الأحزاب والكتل ومدى واقعيتها، أو هل تستند هذه البرامج على أرضية صالحة لتنفيذها وبعيدة عن كونها مجرّد دعاية انتخابية كما جرى سابقا وحاليا من قبل البعض؟ طيلة 15 عاما لم تطرح السلطات العراقية على مواطنيها مدى أهمية استيعاب الأنظمة والقوانين وطريقة الالتزام بها والتثقيف بأهمية الانتخابات باعتبارها المعبّر الحقيقي عن رغبته وطموحه بعيدا عن التلاعب بعواطفه الدينية والطائفية والقومية والعشائرية  وعن أهمية الحفاظ وحماية الهوية العراقية من التهميش. بدلا عن ذلك، التزمت الأحزاب الحاكمة بمبدأ المحاصصة الطائفية والاثنية الذي فرضه الاحتلال وحوّلته إلى نظام يخدم المصالح الأنانية الحزبية والشخصية بعيدا عن طموحات الجماهير، واستطاعت هذه الأحزاب والكتل التمسّك بهذا النظام عن طريق بث الكراهية بين أطياف الشعب وتهميش الأقليات وتزوير الانتخابات وابتعدت عن حماية الجماهير بعدم تنفيذ مطالبها في تقديم الخدمات حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من مخاطر ومشاكل وآلام. وهنا نطرح البنود المهمة في برنامج "سائرون" والتي تخصّ حياة المواطنين مباشرة.

جاء في مقدّمة البرنامج: "... تتمثل هذه الأهداف، بشكل أساسي، في الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والسياسية، وتعزيز الطابع المدني والديمقراطي للدولة، وتشكيل مجلس نوّاب وطني يتمتع أعضاءه بالنزاهة والكفاءة، وعلى النحو الذي يعيد الاعتبار لصورة مجلس النوّاب أمام المواطنين، ويوفرّ له فرصة ممارسة دوره الرقابي الفعّال. كما تتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، وإشاعة الأمن والاستقرار، وانجاز عملية إعادة الأعمار، وضمان حقوق وحريات المواطنين وعيشهم الكريم".    

يهتم البرنامج بأوضاع الفئات الكادحة من عمال وفلاحين وكسبة وأصحاب الدخل المحدود وذلك عن طريق توسيع شبكة الإعانة الاجتماعية وتحويلها إلى صناديق إعانة في حالات المرض والشيخوخة والبطالة والتقاعد ولربات البيوت والأرامل والأيتام وعوائل الشهداء. توسيع المؤسسات الصحية وتقديم رعاية صحية مجانية للمواطنين. الاهتمام بالمؤسسات التعليمية وتطوير مناهج التعليم والاهتمام بالكادر التعليمي ووضع قانون خاص بمجانية التعليم. وهذا ما يتيح للفئات الكادحة من الاستفادة من مجانية الرعاية الصحية والتعليم وغلق باب تسرّب الطلبة من مدارسهم ومنع عمالة الأطفال. ضمان حقوق المرأة والشباب وتوسيع مشاركتهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ورعاية الطفولة وحمايتها من العنف. ومن أجل تطوير اقتصاد البلد لابدّ من تطوير البنى التحتية المادية والاجتماعية والثقافية، ويأتي ذلك عن طريق وضع سياسة اقتصادية تعمل على استثمار القروض بصورة صحيحة واستثمار الثروة المعدنية، خاصة النفط ووضع قوانين تؤمن سيطرة الدولة عليها وإبعاد الفاسدين عن إدارتها، وتطوير الصناعة الوطنية ودعم القطّاع الخاص، المحافظة على الثروة المائية والزراعية. الاهتمام بالثقافة وحرية الإبداع الثقافي، وإعادة بناء القطّاع الرياضي. بناء القوّات المسلحة على أساس المهنية والكفاءة والولاء للشعب وللوطن.    

يضع التحالف "سائرون" هذا البرنامج أمام كلّ الناخبات والناخبين العراقيين في داخل وخارج العراق ممن لهم حق التصويت للاطلاع عليه وتقييمه ومدى تعبيره عن إرادتهم وطموحهم المشروع والنهوض بعراق جديد، عراق الأخوّة والمحبة والعمل السلمي ونبذ الكراهية والحقد بين أطيافه ويكون مرآة ناصعة أما الشعوب الأخرى، عراق السلام والتضامن والعمل مع شعوب المعمورة من أجل المصالح المشتركة لترسيخ السلام العالمي ونبذ قوى الحرب السوداء.  

عرض مقالات: