تعمد الحكومات الى اتخاذ مجموعة من القرارات الاستثنائية لمواجهة الازمات التي تعصف بالبلاد بين فترة واخرى، مثل الازمة الحالية الناجمة بسبب  تفشي وباء كورونا المستجد، وتداعياته السلبية على الشارع العراقي، وما ترتب على ذلك من فرض حظر للتجوال في كل المحافظات.

ان القراءات الحكومية للموقف الوبائي   والذي عدته اكثر استقراراً وثباتاً في العراق عن باقي الدول دفعها لاتخاذ مجموعة من القرارات منها تخويل الوزراء باستئناف عمل الموظفين في المؤسسات الحكومية بالحد الأدنى من العاملين وللضرورة حصراً على ألا يتجاوز ذلك نسبة (25 في المائة)  من العاملين، وبالفعل يستمر العمل بموجب هذا القرار لغاية كتابة هذه الاسطر.

ان الملفت للنظر بعد تنفيذ  قرار ال 25 في المائة   ان العمل في معظم  دوائر الدولة  يجري على قدمو وساق بدون أي مشاكل حتى مع العدد المحدود من الموظفين، وان الخدمة التي تقدم للمواطن هي نفسها التي تقدم مع وجود ال 100 في المائة من عدد العاملين وهذا بحد ذاته يعكس حجم البطالة المقنعة التي يعاني منها جسد الدولة العراقية، ولمن لا يعرف ماهي البطالة المقنعة فإنها تعبير او مصطلح اقتصادي يشير الى وجود أعداد من العاملين تزيد عن الحاجة الفعلية للمؤسسة، ولا يترتب على خروجهم أي نقص في اجمالي الإنتاج او الخدمة المقدمة  . وهذا النوع من البطالة قد يؤدي الى العديد من السلبيات على مستوى الشركة او المؤسسة او الوزارة، مثل تدني مُستوى الإنتاجية للعاملين، وضعف الكفاءة في تشغيلهم ، وانتشار التوظيف بالمحاباة والواسطة بدلاً عن التوظيف وفقا للكفاءة، بالإضافة الى اهم واخطر هذه السلبيات والمتمثلة بزيادة الأعباء والتكاليف المالية على الوزارة، بعد ان تثقل كاهلها بملايين الموظفين  التي تعاني الدوائر الرسمية من تخمة في اعدادهم دون ان يكون لهم أي دور حقيقي ، بل ان ربع عددهم يسد الحاجة  ولا ضرورة  للثلاث ارباع المتبقي.

وهذه بالطبع ليست دعوة الى فك ارتباط هؤلاء الملايين بمؤسساتهم  في القطاع العام، وليس في الوقت الحالي على الاقل، فذلك ما لا يمكن ان يكون او يحصل، وانما اشير الى مغالاة الحكومات المتتالية في تعيين الشباب والخريجين وأصحاب المؤهلات العلمية، دون وجود حاجة فعلية الى خدماتهم واختصاصاتهم، بل انها عمدت الى تعيين الحرفيين والفلاحين والمهرة من ارباب العمل الحر، وسحبهم من أعمالهم التي كانوا يشغلونها، وحصرهم في زاوية التعيين التي اثقلت كاهل الموازنة السنوية للبلاد بتريليونات الدنانير التي لو انفقت الحكومة ربعها واقل من ذلك على دعم المنتج المحلي ودعم العمل الحر  والصناعة والزراعة، وتوجهت نحو تطوير قوانين الضمان الاجتماعي التي من شأنها تطوير العمل في القطاع الخاص وضمان حقوق العاملين فيه من ظروف عمل مستقرة وخدمات صحية وضمانات مالية، لما كانت بحاجة اساساً الى اتباع سياسة التعيين التي خلصت في نهاية المطاف بان تتجرع البلاد الامرين عند كل ازمة اقتصادية تلوح في الأفق بسبب العجز عن توفير السيولة النقدية اللازمة لملايين العاملين في القطاع العام، كما في ازمة عام 2014   وما تلاها من سنوات عجاف، والازمة الحالية التي لم تجد لها الحكومة أي حل سوى الاقتراض الداخلي، وحتى من المحتمل الخارجي ،  الذي سيزيد الطين بلة ،  والعلم عند الله  كم سنعاني  منها حتى يدرك صاحب القرار عقم هذه السياسة الاقتصادية وان ربع عدد الموظفين يكفي لإدارة البلاد وان الثلاث ارباع المتبقي مكانهم في الورش والعمل الحر، وفي ارض ابائهم واجدادهم، ليزرعوا وياكلوا من ثمره وما عملته أيديهم ... فمتى  يعقلون ؟!.

عرض مقالات: