كان على أي مبتدئ بالاقتصاد ان يتوقع حصول أزمة لا في الاقتصاد العراقي فقط بل في مستقبل البلد. ،، لأن الازمة شاخصة ومستفحلة منذ مدة طويلة، ولكن الموارد المالية جراء مبيعات النفط تبعدها آنيا عن الظهور للعلن ، الازمة مزمنة منذ اعلان الحرب على القطاع العام ومنذ بداية اهمال دور القطاع الخاص ، الازمة بدأت منذ ان تحول عمال جميلة الفنيين الى عتالين في سوق تجارة المستورد ، او بالأحرى منذ ان تحولت مصانع هذه المنطقة الصناعية المشهورة، (على سبيل المثال ) الى مخازن لما تنتجه مصانع الدول المجاورة ، الازمة تجلت في فتح المولات لا المعامل ، الازمة في استقدام الأيدي العاملة الأجنبية ، والابتعاد عن وفرتها الوطنية ، الازمة ليست ازمة موارد ، انها ازمة عقول لا تفهم بالاقتصاد ، والسؤال بعد كل ما تقدم ، هل شاهد اي منكم رئيسا لكابينة وزارية حمل اوراقه وارقامه لعرضها على مجلس النواب؟ هل شاهدتم نائبا واحدا تصدى لرئيس الوزراء عارضا عليه نسب الإنجاز ونسب التأخير؟ هل شاهد اي منكم وزيرا قدم نسب التنفيذ في اعمال وزارته؟ الكل يستوزر ويترك دون حساب ، لا اداري ولا قضائي ، وهكذا تدنت مستويات الاداء الحكومي ، فمنذ قرارات بريمر التي تعدت بمباركة الحكام الجدد كل اصول وضوابط الصرف الحكومي ، ومنذ ان تخلت وزارة المالية عن ثوابتها في توفير التخصيصات المالية او توفير الملاك او توفير الدرجة انفرط عقد الالتزام بالقانون ، وحل محله الالتزام بإقطاعية الوزير او الكتلة المهيمنة على هذه الوزارة او تلك ، له حق النقل والتعيين والصرف في كافة أوجهه حتى وان لم يكن ضمن التخصيصات او الابواب المطروقة في الميزانية. وبعد انحسار خيرات النفط بعد عام 2014، وبكل سهولة التجأت الحكومات نحو الاقتراض، وهو أسهل الطرق للتمويل بغض النظر عن تراكمات خدمات هذه الديون وفوائدها او مدى اختزالها للتصنيف الائتماني للبلد، أتعلمون لماذا؟ لأنهم جميعا مع مستشاريهم لا يفهمون الاقتصاد. انهم لا يفهمون ان الانتاج هو الاقتصاد، وان العمل اساس القيمة، وككل الاميين في الاقتصاد والتنمية وبتشجيع من المحتل فتحوا ابواب الاستيراد على مصاريعها، والاسوأ جعلوه استيراد استهلاك لا استيراد إنتاج، مشكلين جيوشا من العاطلين واوبئة اجتماعية بداياتها الطلاق ونهاياتها الانتحار.
ان تصريح السيد مظهر محمد صالح لصحيفة "طريق الشعب" الغراء هو تصريح العالم الساكت منذ قبوله وغيره بمزاد العملة، ومنذ عدم محاربته الاستيراد الكمالي وشبه الكمالي واستيراد ما هو واقع تحت عنوان الاستهلاك المظهري، منذ أن صار السوق العراقي مسرحا للتنافس التركي الايراني السعودي الاردني بل وحتى السوري. وان المناداة بموازنة الطوارئ كان لابد منها منذ دخول داعش ، وإعلان موازنة الطوارئ على كل مسؤول بدد اموال الشعب بموكبه وراتبه ومكتبه وسفره ودوائه وعلاجه وعلاج عائلته ، او بتعيين اقاربه او توزيع الغنائم بين محبيه، لقد كان الاولى بكل المستشارين ان يقفوا معنا حينما نادينا مرارا بإيقاف القروض ، منذ ان تم توقيع القرض البريطاني ، وطالبنا مجلس النواب بإصدار قانون يمنع الحكومة من الاقتراض ونشرناه في صحيفة طريق الشعب، بعددها الصادر يوم الاثنين الموافق 31كانون اول 2018 ،لقد بلغت القروض الداخلية والخارجية حدا يفوق الـ 125 مليار دولار ، انها تكبيل للأجيال القادمة وهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل .والسؤال . عذرا أخي القارئ، هل سمعت بلدا في العالم موازنته التشغيلية أكبر من موازنته الاستثمارية؟ ان مثل هذه الموازنات في علم الاقتصاد هي موازنات الخيبة، وهي الحالة التي صار عليها شعبنا بسبب حكام كانت على الدوام عقولهم مع الإسفاف في كل شيء، إسفاف في السياسية اسفاف في الكلام، نهب الأموال العامة، وهم اليوم عاجزون امام خسارة النفط لأسعاره المجزية...
لقد كان بإمكان الحكومات المتعاقبة عند وفرة الأموال ان تقوم بالتنمية وان تبني الصناديق السيادية الاحترازية، فالمسالة ليست مسألة موارد انما مسألة العقول التي تدير الموارد...