من المنطقي تماماً ان لا تنطلق الشكوك او تُثار الاشكالات في مستهل عمر الحكومة الجديدة . كما لا ينبغي اعتماد منطق الافتراض في معرض التقييم وان كان من اهم وسائل البحث ذات البعد الاستراتيجي. وفي الوقت ذاته،  يجب ان يتزامن مع ذلك عدم الذهاب بعيداً في التفاؤل. ربما يصح ذلك بعد ان تضع الحكومة اصبعها على الجرح. وفي المقدمة تنفيذ مطاليب الجماهير المنتفضة. وعليه يتوجب طرح السؤال " الكونكريت ". ،اذا جاز التعبير، من اية عتبة نطل ونراقب خطى الحكومة " الكاظمية ".؟. ان الوضع العراقي بمجمله تتصدره اهمية واولوية معالجة ما تدمرت من سبل معيشة المواطنين بمختلف اركانها، الاقتصادية، و الصحية ، والامنية، والاجتماعية، وما يتطلبه ذلك من الحفاظ على سيادة البلاد باعتبارها الحاضنة التي من دونها تصبح مصالح العراق وتبعاً لها، مصالح الناس في مهب الريح.

وكانت الاجراءات التي اتخذها السيد " الكاظمي" بمثابة خطوة في طريق تبدو مؤشرات بوصلته مدعاة للتأمل والتروّ.. لكونها قابلة للتفسير غير المبتعد عن عدم معرفة حقيقة النوايا التي لا تخلو عن رسائل غير مباشرة وموجهة، لذا غدت بحاجة الى الافصاح عن جوهرها. ولكن لن تزكيها غير ترجمتها بلغة الاقدام الجريء لارساء قواعد التغيير، واعتماد نهج وطني مدني ديمقراطي بنّاء وِآمن. من شأنه ازالة نهج المحاصصة وتركته المدمرة، الذي لا زال قائماً، فهو ليس قد اصابه الانحطاط، وفشل وافسد وارهن البلاد و العباد لتبعية اجنبية مرفوضة فحسب، وانما ارتكب الخطايا الدامية القاتلة الناهية لدولة اسمها العراق برمتها. ولا ثمة حاجة الى  دليل قاطع اكثر مما هو الحال الذي وصل اليه الشعب العراقي من تدهور ورسوب في مجمل مناحي حياته.

لنستدرك ونقول لعل الاجدر بنا ان نبتعد قليلاً عن ترديد البديهيات الاجرائية التي تتطلبها عملية التغيير، لكونها قد كثر الحديث عنها. لذا هنالك اكثر من امر دافع نحو البحث في العوامل التي اسهمت بتمرير حكومة الكاظمي في البرلمان. وهل تاتي توجهات رئيس الوزراء الاخيرة انعكاساً لها، ام انها معاكسة تماماً ؟. حيث ان القوى التي اتفقت على التصويت للكاظمي في نهاية فرصته الدستورية لتشكيل كابينته الوزارية حيث كانت متباية المواقف، ابان مرحلة التكليف ومنقسمة بين رافض له وبين مؤيد لتوزيره. وكان الملفت للنظر هو موقف الساعات الاخيرة الذي جسد توافقاً لتلك الاوساط متجلياً بتغيرات دراماتيكية شبه عاجلة حيال تأييد المكلف. وكأن امراً ملزماً قد فرضه، ما عدا البعض منهم الذي تردد مصراً على الرفض، غير ان الذي بعث التساؤل حقاً. هو ان هذا البعض  سرعان ما تراجع مذعناً واعلن تأييده لرئيس الوزراء مدعياً بانه " مع الجماعة " . نرى ان تصرف الاخير كان يهدف منه ابعاد التفسير المحتمل القاضي بان تغيير موقفه قد جاء بفعل ارادة جهة سياسية معينة وربما تكون اجنبية.

 ان اجراءات السيد " الكاظمي" التي استهدفت تغيير ارث الفساد والفشل، ستطال الفاسدين لا محال. اذاً لن يبقى مجالاً للتوقع على المدى القريب بان تتماهى تلك القوى والدوائر المتنفذة مع اصلاحات السيد رئيس الوزراء التي ستضرب مصالحها بالصميم. وهنا يحتمل الصدام.. فكيف سيكون تصرفها اللاحق ؟ . لا نجزم بل نتساءل لعلنا في هذا نفتح ضوءاً احمراً للتوقف اليقظ امامه، واعتماد نظرية الاحتمالات السيئة منها والايجابية وحينها سيصار لقراءة اكثر وضوحاً.

 

عرض مقالات: