يعتقد ليوناردو فرنانديز أنّه بدلاً من السعي لإنقاذ الشركات الكبرى، يجب علينا مصادرتها. وبدلاً من المصادقة على وقف مؤقت لعمليات الإخلاء والسماح بتراكم متأخرات الإيجارات، يجب علينا مصادرة العقارات لحماية العمال والشركات الصغيرة. هذا والعديد غيره من الاجراءات الأخرى، أجدها ضرورية لتأكيد حقنا في الحياة أكثر من حقوق الرأسماليين في ممتلكاتهم، وهذا ما سيتحقق في المستقبل القريب على ما يبدو.
فنحن نرى في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أمثلة صارخة على كيفية فشل العالم الرأسمالي في ضمان الصحة والسلامة لمواطنيه، بعد أن أثار الخبراء الطبيون شكوكًا خطيرة بشأن موثوقية معدات الحماية الشخصية والاختبار. فعلى الرغم من الضجيج حول كفاءة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية، والخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، إلا أن العديد من الأطباء في الخطوط الأمامية والموظفين الطبيين سقطوا ضحية للفيروس ولا يزالون مع الأسف. وينتشر شعور طاغ بالاحباط في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ويلقي الكثيرون اللوم بشكل مباشر على النظام الرأسمالي الليبرالي الذي يهيمن فيه صناع القرار من البيروقراطيين وحملة شهادات الماجستير في إدارة الأعمال، على دور الخبراء في الطب والصحة العامة والبيئة، حتى أدى مبدأ تعظيم الأرباح وخفض التكاليف، في النهاية، إلى سقوط معظم الغرب والشمال في براثن هذا الفيروس القاتل.
إن جائحة كورونا هي أحدث دليل على أننا لا نحتاج إلى الكثير من مراكز التسوق وبورصات الأسهم والسندات، ولكن إلى خدمات صحية عالمية تكافلية وفق نظرة إنسانية إشتراكية. ولعل الدولة الوحيدة في العالم التي تعمل وفق هذه المبدأ هي كوبا الثورية، التي لديها بالفعل أكثر من 28000 طبيب يقدمون رعاية صحية مجانية في اكثر من 60 دولة فقيرة. وهذا العدد يفوق عدد الأطباء المتطوعين من دول مجموعة السبع مجتمعة، وهناك حاليًا 52 طبيبًا كوبيًا في إيطاليا و 120 في جامايكا، ومثلهم المئات في عشرات الدول الأخرى، يقارعون الوباء ويقدمون المساعدة الطبية والعلاجات لكل من يحتاجها من دون كلل أو ملل. حتى حكومة بولسونارو اليمينية المتطرفة في البرازيل، تلك التي طردت العام الماضي اكثر من 10000 طبيب كوبي كانو يعملون كمتطوعين هناك ووصفتهم بالإرهابيين، تتوسل إليهم الآن كي يعودوا.
في المحصلة و من اجل هزيمة فيروس كورونا بشكل نهائي، يجب علينا محاكاة أممية كوبا الطبية. وإذا أردنا التخلص من الوباء اللعين وانقاذ البشرية، يجب أن ننضم إلى أطبائها الثوريين وشعبها الطيّب، وبعبارة أخرى، يجب أن نستبدل ديكتاتورية رأس المال بقوة الشعب العامل، وإذا كنا نريد للحضارة البشرية أن تبقى والتدمير الرأسمالي للطبيعة والموارد ان يتوقف، علينا ان نتحرك الآن تحديدًا وفق نظام رعاية صحية ثوري وأممي، لأن أزمة فايروس كورونا الحالية هي مجرد آخر أعراض موت الرأسمالية والدليل الصارخ على بهتانها.
ولعله من المفارقات أن نرى الدول التي كان الغرب يتهمها بالاستبدادية والإرهابية والأوليغارشية، هي التي تقود العالم في مواجهة الفيروس القاتل. فالعالم كله يعتمد الآن على الصين لتوفير جميع أنواع المعدات ومجموعات الاختبارات ووسائل حماية العاملين في الحقل الصحي، كما يتم استخدام الدواء الكوبي Interferon Alfa 2-B، وهو أحد الأدوية الأكثر نجاحًا في مكافحة COVID-19 حسب الكثير من المختصين في أوروبا، بعد أن قامت كوبا بنقل فرق من الأطباء إلى جميع المناطق المتضررة في العالم، ومنها إيطاليا وأسبانيا.
وفي الخلاصة، فأنّنا نرى بتمعن، ووسط أمواج هذه الأزمة المتلاطمة، عالماً جديداً يتشكل، ستلعب فيه دول الجنوب وشعوبها الطيّبة التي طالما كانت ضحية لتغوّل رأس المال الغربي، دوراً إنسانيًا بارًزًا.

عرض مقالات: