من الشخصيات العراقية المهاجرة  سليم دنكور ، درس في انجلترا في الثلاثينات من القرن الماضي ثم أكمل دراسته في الجامعة الامريكية في بيروت وهاجر الى الهند في السنين العصيبة للحرب العالمية الثانية  وقبيل انتهائها انتقل الى ايران وهناك تعرف الى اللاجئة النمساوية اليهودية روث فتزوجا ثم انتقلا الى السويد عام 1950 م وعاشا هناك واصبح رجل أعمال مشهور يحظى بمكانة مرموقة وأصبحت داره في ستوكهولم ملتقى لعلية القوم والدبلوماسيين العراقيين والايرانيين وغيرهم من سفراء ورجال أعمال .

كان الى جانب ذلك ملتزما بشعائر ديانته اليهودية ، يقيم الصلوات في الكنيست وهو ابن رجل دين معروف من الطائفة  الموسوية في العراق .

يقول في مقال له في مجلة الكاتب Scribe  Theالصادرة بالانجليزية ، العدد 63 سنة 1995 بعنوان حياتي والزمن :

 يوم كنت في ايران استطعت تحقيق سمعة مرموقة ،  وعندما أتيت الى السويد  رحب بي الايرانيون في السفارة الايرانية وأصبحت صديقا مفضلا لجميع السفراء الايرانيين الذين تعاقبوا على منصب السفير فيما بعد . لكن مشكلتي الوحيدة كانت في دفاعي عن العراق عند حصول أية خلافات بين ايران والعراق لان العراق لم تكن له سفارة  يومذاك  (في الخمسينات) في السويد .

يوم زار شاه ايران محمد رضا بهلوي السويد ، سألني لماذا لا أعود الى ايران .فأجبته إن أبنائي يحصلون على تعليم جيد هنا ، فجاء لي بطفل  في نفس اليوم وقال : أعطه تعليما سويديا كي يصبح في المستقبل صديقا لولي العهد .

ظل الطفل معنا في البيت خمسة عشر عاما ، نشأ معنا وعندما بلغ الثامنة عشر أراد العودة الى ايران ولكن الشاه  كان  في آخر أيام حكمه ، فغادر الشاب الى امريكا وما زال يعيش هناك .

حردان التكريتي سفيرا في السويد

 عام 1966 أصبح حردان التكريتي سفيرا للعراق في السويد بعد اشتراكه في مؤامرة ضد الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف .

أصبحنا أصدقاء جدا لاني ساعدته في افتتاح السفارة في بنايتي وكنت التقيه عدة مرات في الاسبوع .

ظل حردان يخبرني بانه لن يمكث طويلا في السويد وانه سيعود الى بغداد ليستولي على الحكم من جديد .

سألته : متى سيحدث ذلك ؟ قال : سأعود  بالعراق مثلما كان  قبل عشر سنوات ، الى الايام التي كانت فيها الملكية التي كنا نظن انها سيئة ، الا ان الامور أصبحت اليوم أسوأ عشر مرات .

استمعت اليه بشفقة ، فلا أمل له  بنجاح جهوده .

التقى حردان في ستوكهولم مع مجموعة من الطيارين العراقيين واتفق مع اثنين منهم على اغتيال الرئيس العراقي، ولكن عندما حان وقت التنفيذ انهار أحد الطيارين وركع على حذاء الرئيس وافشى خبر المؤامرة فقتل الطيار الثاني في الحال ونجا الرئيس من محاولة الاغتيال ، وصدرت الاوامر من بغداد بطرد السفير حردان من منصبه والحكم عليه بالاعدام ووجوب مغادرته السفارة  والسكن الدبلوماسي .

صادف أني كنت جالسا مع السفير حردان في السفارة، واذا بالباب يفتح ويقتحم الغرفة القنصل ابراهيم والي ، دفع الباب ورمى ببرقية أمام السفيرحردان .

هذا القنصل كان سابقا لا يجلس أمام السفير احتراما  له، ولكن اليوم تغير كل  شيء.

قال القنصل للسفير حردان : عليك مغادرة السفارة خلال ساعة واحدة ، وعليك ترك السفارة والمسكن .

أجابه حردان : ابراهيم انها الساعة الرابعة مساء ، أين سأذهب ومعي زوجتي وأربعة اطفال صغار !

قال له ابراهيم هذا ليس شأني، إذا لم تغادر السفارة الان سأطلب الشرطة لتخرجك. وعندما حاولت ان اتوسط لحل المشكلة وتهدئة الامر ، قال لي ابراهيم يجب علي أن لا أتدخل ، فهذا أمر سياسي خطير، وغادر الغرفة .

أخبرت السفير حردان بانه يستطيع الانتقال الى بيتي الصيفي مؤقتا، ولكنه قال لي إنه لا يستطيع أن يدفع لي مالا لقاء هذه الخدمة النبيلة.

قلت له  إننا اصدقاء وهذا أقـل شيء أستطيع تقديمه له .

وافق على هذا العرض بتواضع ومكث اسبوعين ثم غادر الى لندن .

 ( استدعي القنصل ابراهيم والي الى بغداد فيما بعد وأصبح السكرتير الشخصي للرئيس عارف ).

نائب رئيس الجمهورية

لم أسمع أخبار حردان لعدة أشهر ، وعلمت إنه كتب للرئيس يعتذر عن المؤامرة وإنه يقسم له يمين الولاء، فعفى عارف عنه وعاد الى بغداد ، لكنه اشترك بمؤامرة أخرى .

استلمت اتصالا هاتفيا  من بغداد من وزارة الدفاع ، لدهشتي كان الاتصال من حردان ، قال لي : سليم ، أنا الان نائب الرئيس العراقي ، هل تتذكر ما كنت أخبرك به ، لا أنسى موقفك الاخوي يوم قدمت لي بيتك في الوقت الذي كنتُ  فيه محكوما بالاعدام .

حينذاك راودتني فكرة اصلاح العلاقات بين ايران والعراق من خلال حردان التكريتي .

بعد مناقشات طويلة مع حردان وافق على زيارة ايران إن قدمت له ايران دعوة من الشاه .

ومن خلال علاقاتي بايران استطعت ايصال رغبة العراق فابلغوا الشاه بالفكرة فرحب بها ، وأرسلت ايران دعوة الى العراق قدمها  وزير الخارجية الايراني الذي زار العراق .

غادر حردان في زيارة الى ايران فوفروا له جولات في مختلف ارجاء ايران وزار القوة الجوية الشاهنشاهية وبعد اسبوع من زيارته استقبله الشاه ، ولدهشة الجميع وافق الشاه على حل جميع المشاكل العالقة مع ايران لصالح العراق . المسألة الكردية ، شط العرب ، الحدود المائية ، المزارات في كربلاء  .

بعد أشهر قليلة ، في مؤتمر رؤوساء الدول الاسلامية في الجزائر ، سار الرئيس العراقي صدام حسين باتجاه الشاه وقبله على وجنتيه وسط دهشة جميع الحضور و المراسلين الاجانب .

لا أحد يتخيل كيف بدأت هذه المسيرة  !!

قصة حردان انتهت باغتياله حين نزل من طائرته في الكويت رميا بالرصاص ولم يعثر  أحد على القاتل .

اعدام الوجبة الثانية من اليهود

أعلن العراق انه سيعدم المجموعة الثانية ، فاتصلت بي الجهات الاسرائيلية وطلبت من التدخل من خلال صديقي حردان التكريتي نائب رئيس الجمهورية .

أعددت رسالة رقيقة وارسلتها الى بغداد مع السفير المكسيكي في ستوكهولم السيد كارلوس غوتيرز، صديق مشترك ، إذ كانت هناك صرخة عالمية ضد هذا الاعدام . لا أعلم مدى تأُثير رسالتي ، لكني أعرف إن الوجبة الثانية من اليهود لم تعدم أبدا .

زيارة سعيد قزاز للسويد

عام 1957 عقد في ستوكهولم المؤتمر الدولي لمجالس البرلمانات .حضره من العراق وفد يضم سعيد قزار وزير الداخلية ، والشيخ أحمد عجيل الياور شييخ عشائر شمر ونائب عن الموصل .

يقول مير بصري ، قبل ذهاب الوفد الى السويد أخبرني صديقي سعيد قزاز بانه سيسافر الى ستوكهولم، فاعطيته رقم هاتف ابن عمي سليم دنكور المقيم في ستوكهولم .

وعندما عاد سعيد قزاز الى بغداد أثنى على كرم ضيافة سليم لهما .

 تعريف مير بصري بسليم دنكور

نشر مير بصري في العدد  70  من مجلة   The Scribe الكاتب في  اكتوبر 1998 تعريفا بسليم دنكور نقتطف منه  مايلي :

كان عمر سليم دنكور 13 عاما عندما توفي والده عام 1930 .

غادر سليم عام 1937 الى لندن لاكمال دراسته الثانوية .ثم درس في الجامعة اللبنانية ببيروت وقضى سنين الحرب العالمية الثانية  في بومبي ، ثم ذهب الى طهران والتقى هناك اللاجئة النمساوية روث وتزوجها وغادرا الى السويد عام 1950 وكان العراقي الوحيد في السويد .

كان وزوجته روث يتحدثان عدة لغات حية وكانت دارهم منتدى يلتقي فيه نخبة المجتمع من رجال أعمال ودبلوماسيين في ستوكهولم .

كان بارعا بلعبة البريدج وله مجموع من الاصدقاء الذين يجتمعون على هذه اللعبة .

توفي في ستوكهولم عام 1998 م.

 *أول مهاجر عراقي الى السويد

 

عرض مقالات: