كتب العديد من الناقدين الكنزيين وغيرهم من نقاد الليبرالية الجديدة عام 2008، حين اظهرت الازمة المالية العالمية بأن السوق ليست ذاتية التنظيم، ومن الواضح أن الاسواق غير الخاضعة للتنظيم وقطاعاتها الخاصة بالتجارة الحرة لم تؤدِ الى الابتكار والازدهار والاستقرار الاقتصادي والسياسي، بل عكس ذلك، نحو أكبر أزمة رأسمالية منذ ثلاثينات القرن الماضي، رغم أدعاءات الليبرالية الجديدة في النظرية الاقتصادية بعدم وجود الازمات، وبناءً على ذلك فأن ترك السوق حراً يؤدي الى الأوامرية العفوية.

صحيح أن الازمات ايضاً هي فرص، الا أن على اليسار الاستفادة من هذا الركود الجديد، من خلال الاصرار على تنشئة القطاع المالي أجتماعياً واعادة التوطين الدائم للمستشفيات وتحولات بيئية اجتماعية في مجال الصناعة وتمويل الازمات المُكلِفة من ثروة الاغنياء، وفي حالة عدم القيام بذلك، فلا يمكن ان نرى موت الليبرالية الجديدة حينما نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا، ليحدث العكس بخراب هذه المؤسسات المرتبطة بالانسان.

من الناحية النظرية قد تكون النيو ليبرالية ميتة وكما حصل عام 2008، ومع ذلك فأن علاقات القوة الكامنة بين رأس المال والعمل ليست ميتة، في ألمانيا وكذلك على الصعيد الدولي جرى أتباع سياسة تقشف مالي واسعة لمنع الانهيار المالي خلال الازمة ومنذ 12 عاماً.

ومع ذلك في ممارسة النيوليبرالية القائمة حالياً ،كانت الدولة ضرورية ، من خلال فرض الدكتاتوريين والامبرياليين والحفاظ عليهم مثل أمريكا اللاتينية أو الشرق الاوسط والمرتبطة بمعاهدات عملاقة عابرة للوطنية لحماية الملكيات الخاصة من سيطرة الديمقراطية ،أضافة لذلك فالدولة هنا موجودة بجهاز شرطة وأمن كبيرين لتكون حائطاً يسد المقاومة ضد العولمة النيو ليبرالية وتناقضاتها.

وأندهش الكنزيون والديمقراطيون الاشتراكيون اليساريون بعد عامين من البقاء الغريب للنيو ليبرالية ، والذي أحتفل بالأصول البدائية السعيدة فرحاً، بخصخصة الملكيات الاوربية العامة وتخفيض الحد الادنى للاجور والمعاشات التقاعدية وتقليل الدعم للنظام الصحي ،وظهر ذلك في أعقاب أزمة الكورونا الحالية في أيطاليا كمظهر مظلم للشعارات السياسية (التقشف يقتل)،وكان ينبغي ان لانواجه أزمة عام 2008 الا مرة واحدة في العمر،فقد سبقتها  قبل ذلك ثلاث مرات في تأريخ الرأسمالية ،عام 1873الى 1896، ثم أعوام 1929 الى 1939 و1967الى 1979.

ويرى الجميع الآن الفوضى النظامية ،الاستقطابات الاجتماعية والسياسية ،الاجتماعي في شكل الاختلاف المكاني بين الشمال والجنوب العالمي ،بين مراكز الاتحاد الاوربي والاطراف ،وبين المناطق الحضرية الغنية مثل مدينة ميونيخ ومناطق الرور الغربية ،أو بين برلين بمناطق السكن الغنية والفقيرة ،من الناحية السياسية على شكل الشعبوية اليمينية المتصاعدة في اوربا وبين حركات اليسار المناهض لليبرالية الجديدة التي فشلت وتتكرر دعوات بعض  من الكتاب الذين أصدروا شهادة وفاتها.

وظهرت علامات التضامن في دول العالم ،فالرأسمالية راكدة كما في السنوات الاخيرة ،يمكن من خلالها خلق مساحة لافكار وممارسات لمجتمع ما بعد النمو ،من خلال أزمة كورونا يتوجب على اليسار تقديم اجابات عن الحياة اليومية للناس ومواقفها ولضمان حياة آمنة مستقبلا فالازمة هي فرصة لفكرة تضامن جديد وعدم تركها مهملة .

 

 

عرض مقالات: