نعرف ويعرف الاقتصاديون والمهتمون باقتصاديات النفط في العراق وسواه من الدول النفطية التي تعتمد اقتصادياتها اعتمادا كبيرا على الريوع النفطية التي تعتبر المصدر الوحيد او المصدر الأساسي لتمويل الموازنات السنوية، إن هذا المصدر ليس ثابتا او مستقرا وفي الكثير من الأحيان يتحول إلى ازمة في الحياة السياسية والاقتصادية ثم تتصاعد في ظروف معينة الى كارثة مرعبة كم يجري اليوم .
ولهذا لابد من الحذر في الوقوع بفخ الانتشاء في الأرقام الكبيرة في سقوف الكميات المكتشفة او التقديرات المفرطة في الاحتياطات النفطية لاسيما ان البلدان النفطية وبينها العراق الذي يعاني من أزمة مالية فائقة ناشئة عن نمط الاستهلاك الذي ساد في المجتمع العراقي مقترنا بالتصدع في الحواضن الاقتصادية الاقليمية وتحوله بالتالي الى نمط استهلاكي جديد تختلط فيه متطلبات الامن الغذائي والحياة المعيشية المتعبة لملايين العراقيين مع تدهور الكفاءة الاقتصادية التي تتجسد في غياب التنمية الاقتصادية الحقيقية واتجاهات غامضة يقع فيها الاقتصاد مما ادى في النتيجة الى السقوط في فخ التجارة الاستهلاكية الناتجة عن هبوط كبير في مستويات الأسعار كما حدث في الصدمة النفطية الحالية بسبب الفائض الكبير في المخزونات النفطية العالمية وضعف الطلب نتيجة لانخفاض معدلات النمو في الاقتصاديات الدول الصناعية الأكثر استهلاكا للبترول مثل أمريكا وأوروبا والصين واليابان والهند نتيجة لصراعات الدول الكبيرة المنتجة للنفط التي ترافقت مع جائحة كورونا التي ادخلت العالم في حرب عالمية ولكن بدون استخدام الاسلحة الفتاكة للدول العظمى . ولهذا فان الاحتياطيات العملاقة في كميات النفوط المكتشفة لا تعنى شيئا في المديات القصيرة او المتوسطة خارج قرارات المنظومات النفطية الأساسية.
لن نذهب بعيدا الى الدول الأخرى المنتجة للنفط وسنقتصر على السياسة النفطية في العراق وكيف تم إدارة الأموال المتأتية من تصدير النفط خلال الفترة من عام 2003 لغاية عام 2019 وكيف ستدار في المستقبل في لجة الازمات المركبة التي يدور في فلكها العراق فان الأرقام المؤكدة تشير إلى ان مجموع هذه المبالغ كانت 930 مليار دولار ومع ذلك كانت مخرجات الاقتصاد أكثر من ستة آلاف مشروع معطل التف عليها الفاسدون في عملية نهب منظم لم يشهده تاريخ العراق وعشرات المليارات تمثل استحقاقات الشركات النفطية المتعاقدة وفق عقود التراخيص ، مع مديونية داخلية وخارجية تصل إلى 123 مليار دولار وعجز في الموازنات السنوية للفترة ذاتها بلغت 202 مليار دولار والحاجة إلى آلاف المدارس ومئات المستشفيات ومليوني وحدة سكنية ولازالت ملفات فضائح لوك أويل واونا اويل وروائحها العفنة تزكم الأنوف . من هنا فان النجاح في السياسة النفطية لا يمكن ان تتحقق ما لم يتم التوصل الى مقاربة حقيقية تعبر تعبيرا صادقا عن اندماج مخرجات النفط بالاقتصاد العراقي عبر خطوات ملموسة لطالما جرى التأكيد عليها وتتمثل ب:
• التعجيل بإصدار قانون النفط والغاز الذي مر على تقديم مسودته أكثر من عشر سنوات وليست مقنعة تلك الأسباب المصرح بها والتي تحول دون تشريعه لتعارضه مع مصالح القوى المتنفذة من جهة وعدم الاتفاق مع حكومة الاقليم التي انتهجت سياسة نفطية خارج الضوابط الدستورية والالتفاف على الموارد النفطية في الاقليم بما فيها محافظة كركوك .
• التعجيل بإعادة تأسيس شركة النفط الوطنية لتمارس دورها في عمليات التنقيب واستخراج البترول خاصة وان لها تاريخا شامخا في الصناعة النفطية مع الاخذ بالاعتبار التعديلات على قانون الشركة رقم ٤ لسنة 2018تنفيذا لقانون المحكمة الاتحادية بهذا الخصوص .
• تنظيف وزارة النفط بكافة مؤسساتها من الفاسدين وإحلال الكفاءات والخبرات الوطنية في الصناعة النفطية في ادارة اقتصاد النفط وتوجيه القسم الأكبر من الموارد النفطية نحو القطاعات الإنتاجية من اجل إيجاد مصادر بديلة للتمويل واستعدادات مسبقة لمواجهة الصدمات النفطية المتكررة . بعقلانية بعيدا عن نشوة الأرقام.
• اعادة النظر بعقود التراخيص التي تمت بصورة مخالفة للدستور وبدون غطاء قانوني مما رتبت على العراق تكاليف باهظة حيث لم تكتف الشركات باستيفاء اجورها في تقديم الخدمة وانما فرضت حصة على الارباح المتحققة من بيع النفط فضلا عن مخالفتها العقود بشان رفع كمية الانتاج.